وصل الشاب اليافع (الضحية) الذي يعمل مع شقيقه الأكبر كعامل بناء متدرب لمكان عمله في وقت مبكر من هذا اليوم وكانت مهمته تتمثل في وضع أمتداد من اللبن أعلى ركن الحائط الأمامي للدار العتيقة لإقامة قائد المنطقة العسكرية الأولى في مدينة نواذيبو التي تخضع للترميم.
بعد تهيئة خليط الإسمنت والتربة والحجارة وتجميع اللبن صعد عامل البناء الشاب اليافع إلى أعلى الحائط وبدأ في تنفيذ المهمة وفي حدود الساعة العاشرة صباحا وبعد أن قطع أشواطا متقدمة من العمل فقد توازنه أثناء عملية إزاحة قام بها من أجل أخذ موقع جديد أعلى الحائط فسقط إلى الأسفل من أرتفاع قرابة أربعة أمتار على الأرض تحديدا على غطاء هش لحوض قديم يتبع للدار المذكورة كان يستخدم لتصريف المجاري لينهار به إلى القاع مع سقوط قطعة كبيرة من الغطاء عليه على نحو غطت جسده بالكامل في الأسفل ماعدا يديه اللتان كانتا المؤشر الوحيد على حياته وقتها بالنسبة للأشخاص الذين يراقبونه من أعلى من خلال الحركة الضعيفة التي كانت تدب فيهما .
زملاء العامل لحظة سقوطه كانوا موزعين في أماكن عمل داخل الدار ليكون بعض المارة ممن شاهدوا سقوط العامل أصحاب السبق في الألتحاق بمكان الحادث رفقة عناصر من الحرس وفي لحظات قليلة وصلت الشرطة بقيادة المفوض يعقوب المسؤول عن أمن المنطقة وبعدها بقليل وصل لعين المكان حاكم المقاطعة المركزي أحمدناه ولد سيدي أب الذي تمت عملية الإنقاذ تحت إشرافه شخصيا وواكبها لحظة بلحظة وناقش وساهم في ابتكار الحلول لنجدة العامل وخروجه سالما حيث أستدعى الحاكم المركزي رجال الحماية المدنية بمعية قائدهم وسيارة أسعاف كاملة التجهيز كما تم أستدعاء رافعة وصلت في حينها للموقع لكن تم استبعاد تدخل هذه الأخيرة لعدم ملاءمتها للوضعية الصعبة التي سقط بها العامل أسفل الحوض و لوجوده تحت القطعة الحجرية الكبيرة وماقد يترتب عن تدخلها من مخاطر على حياة الضحية .
الشرطة بدورها أمنت مكان الحادث وعزلته عن التدافع العشوائي للجموع الكبيرة من الجمهور التي تنادت لمكان سقوط العامل وحرصت تماما على غلق الطريق في حيز الحوض أمام المتطوعين من المواطنين للنزول لجلب العامل حرصا على ضمان حل فني ومتخصص للخروج من الموقف بأقل الخسائر والحفاظ على سلامة العامل وإفساح المجال أمام رجال الإنقاذ من الدفاع المدني المدربين على مثل هذه الحالات.
الحاكم يطمئن شقيق الضحية ووالدته التي وصلت لمكان سقوط الابن ...
أصر شقيق الضحية الأكبرالذي يعمل معه على النزول أسفل القاع لجلب أخيه في مشهد مؤثر لكن حاكم مقاطعة نواذيبو أصدر تعليمات بمنع أي شخص من الاقتراب حتى أستكمال الخطة المقترحة على الفور بالتنسيق مع قائد وأفراد الدفاع المدني والأكثر أمانا كما تقدم الحاكم المركزي لوالدة الضحية مطمئنا إياها أنه هنا لأجلهم ولأجل إبنهم الذي هو إبنه وسلامته في مقدمة الأولويات في أي حل سيتم تنفيذه مؤكدا لهما أن الضحية بخير وأن إنقاذه مسألة دقائق لا أكثر .
تنفيذ خطة الإنقاذ..
تمثلت الخطة في تقييم سريع لحالة القاع ووضعية العامل داخله والإستفادة من أنخفاض منسوب مياه المجاري داخله ومن التهوية التي وفرها الفراغ النصفي في غطاء حوض المجاري الذي سقط في الأسفل وإنزال فردين من رجال الإطفاء عبر السلالم التي جلبت لهذا الغرض وربطهما بحبال كإحراء أحترازي لشدهما عند الحاجة إلى الأعلى من طرف رجال الشرطة والحرس والجيش كما تطوع بعض المواطنين بالإمساك بنهاية طرف الحبل وقام رجلا الإطفاء في الداخل بتحرير العامل الضحية من الصخرة والصعود به إلى أعلى وسط فرحة عارمة وتكبير وتحميد بين الحشود وزغاريد لبعض النسوة حيث تم انقاذ العامل الذي كان مبللا بمياه المجاري وتم تمديده على سرير لنقله لسيارة الإسعاف المرابطة قريبا من المكان والتي توجهت بدورها للمستشفى لتقديم العلاجات للضحية.
"شهادة" وسط بكاء ممزوج بالفرحة...
العامل الناجي أثناء إخراجه بدا في وضعية تشي بألم في الأطراف وألم حاد على مستوى الرأس ترشد إلى ذلك عملية لفه الدائم لليدين حول رأسه طيلة مشوار نقله لسيارة الإسعاف وكان طيلة الوقت يكرر الشهادتين "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله" وفي كل مرة كان يردد فيها الشهادتين كان للمحيطين به تفاعلا مع تلك الدلالة الإيمانية العظيمة بين من يكبر إعجابا بهذا الموقف الإيماني الرائع وبين من يعجز عن التعبير أمام هذا المشهد ويدخل في نوبة من البكاء ممزوجة بفرحة بنجاة العامل وخوف من أي خطر على سلامته قد يتبين لاحقا وقد نقلت أم الضحية وشقيقه في سيارة لمرافقة إبنهما للمستشفى .
ذوبذلك تكتمل فصول هذا الحادث الأليم الذي أنتهى بعمل بطولي تكلل بنجاة العالمل وسط أرتياح كبير للمتابعين عن سرعة استجابة السلطات والمصالح المعنية وتدخلها في الوقت المناسب قبل حدوث الكارثة .
لموقع " مراسلون" : الحسين ولد كاعم – نواذيبو.