نحن ونخبة الجنوب _ تدوينة

أحد, 16/02/2020 - 09:00

-----------
حدّثني المؤرخ والأكاديمي البارز، صاحب التآليف الكثيرة والبحوث الثرية الوفيرة، الدكتور محمد المختار ولد السعد، وقال: كنتُ في تونس عام 1983، وكان المختار ولد داداه يعيش هناك منفياً، فأخبرني أستاذتي التوانسة أنه راغب في رؤيتي. وأصل القصة، يقول ولد السعد، أن المختار خلال حكمه كان ينظم في الرئاسة حفل استقبال للبعثات التعليمية العربية الجديدة (التونسية والفلسطينية والسورية والمصرية والعراقية) القادمة إلى بلادنا، كما كان يقيم للأساتذة العرب مأدبة غداء كل عام. وبعد الانقلاب عليه وخلال إقامته في تونس، أراد الأساتذة التوانسة أن يردوا له شيئاً من الجميل، فكانوا يزورونه باستمرار، وفي كل زيارة كان يسألهم عن جديد النشر حول موريتانيا. وذات مرة حدّثه أحدهم عن مذكرة تخرّج حول «شرببه» أعدها أحد طلابه السابقين في المدرسة العليا للأساتذة، فطلب تمكينه من الحصول عليها، وفي الزيارة التالية جاء الأستاذ بالمذكرة (الرسالة الجامعية) معه إلى الرئيس المختار وأخبره أن الطالبَ صاحبَها موجود في تونس. وبعد أن قرأ المختار المذكرة، ألح في طلب رؤية صاحبها، أي محمد المختار ولد السعد. يقول ولد السعد: جئته بعد العصر، وكان مقيماً في فيلا «الهادي نويره» (رئيس الوزراء التونسي الأسبق)، فوجدته ينهض من سجادة صلاته، وبعد حديث عام وروتيني كذلك الذي يدور بين أي موريتانيين اثنين، بادرتُه بالسؤال: فخامة الرئيس، كنتَ صانعاً وشاهداً على مرحلة مهمة من تاريخنا الوطني، ألا ترى أنه من الواجب أن تكتب لنا عن تلك المرحلة وما اكتنفها من مصاعب وإخفاقات ونجاحات؟!
فرد المختار وهو يشير بإصبعه إلى ثلاثة دفاتر من فئة 300 صفحة: تلك الدفاتر بها تسويدٌ بدأتُ كتابتَه منذ بعض الوقت، أرجو أن تبقى في العمر بقية تكفي لإتمامه. ثم أضاف: البعض يعتقد أن المصاعب الأكبر هي تلك التي واجهتنا من عمقنا الشمالي، والحقيقة أن المعارك والصراعات مع الجوار الجنوبي كانت أشد وأقسى وأكثر ضراوة. 
 ولا شك في أن الخلافات مع الجوار الجنوبي كانت تتداخل وتتقاطع في كثير من الأحيان مع خلافاتنا الداخلية ذات الطابع العرقي، ومن هنا كان المطلب الأساسي لحزب «المنحدرين من غورغل» في أواخر الخمسينيات وبداية الستينيات هو الانضمام للفيدرالية المالية، وظل ميلهم دائماً في ذلك الاتجاه. ومن يطالع مذكرات الرئيس المختار، لاسيما الباب الثالث (هويتنا: التحدي الجوهري) والفصل الحادي عشر (تآلف القلوب)، سيلاحظ حجم النفوذ الذي كانت تتمتع بها النخبة البولارية في أجهزة الدولة، وما حملته من وعي صدامي وروح استحواذية استئصالية طبعت سلوكها في المجال العمومي، خاصة خلال أحداث عام 1966 والتي كادت تدفع بالبلاد في أتون حرب أهلية شاملة ماحقة لا تبقي ولا تذر، لولا حكمة الرئيس المختار ووطنيته الصادقة ووعيه الاستراتيجي فائق النضج.

تصفح أيضا...