نظمت "دار قوافل للنشر"، مساء أمس الأربعاء، ندوة علمية تحت عنوان "المعرفة والسلطة في موريتانيا"، أطرها الباحثان محمد ولد المعلوم، خبير الترجمة المعتمد لدى الأمم المتحدة، والأكاديمي أبو العباس ولد أبراهام.
الأستاذ محمد ولد المعلوم قال إن الفلسفة التقليدية نظرت إلى المعرفة كمسعى إنساني نبيل، وقيمة إنسانية، وحقيقة لا شك فيها.
وقال ولد المعلوم إن القدماء لم ينظروا إلى اللغة بصفتها إشكال، بل رأوا أنها أداة شفافة، محايدة، بريئة، تنقل المعنى.
واستطرد ولد المعلوم قائلا: إن الفلسفة الحديثة أطاحت بالمعرفة كقيمة، فنظرت إليها بصفتها وهم يستخدم لشرعنة القوة والاستغلال.
فالثقافة، كما تراها الماركسية المتأخرة ومدارس التحليل الأدبي والحركات النسوية، هي المجال الحيوي للغلبة والسيطرة.
وأضاف ولد المعلوم: إن الثقافة - في رأي إدوارد سعيد - ليست بريئة لأنها إيديولوجيا الآخر، ولهذا استطاعت الإمبراطورية والمراكز الاستعمارية أن تسوق للآخر مشروعها بصفته مشروعا تنويريا، فنحن أعجبنا بالكتاب الغربيين على أساس القيم الكونية التي كتبوا عنها، أما الآن فنقرأ شكسبير مثلا بصفته ناطقا رسميا باسم الإمبراطورية.
وبرغم اعترافه بأن موريتانيا لم تدرس في فترة ما بعد الكولونيالية، فإن ولد المعلوم رأى أن المشروع الوطني تم إجهاضه منذ نشأة الدولة، فقد استُخدمت لغة ليست لغة البلد، وتم إقصاء المجتمع، لأن الإدارة الاستعمارية إدارة حكم وليست إدارة تنمية.
الباحث أبو العباس ولد أبراهام قال إن طريقة النظر إلى المجتمع تعتبر في حد ذاتها خطابا، فالمستكشفون الأوربيون، الذين زاروا البلاد في القرن السادس عشر والسابع عشر، لم يروا التقسيم الطبقي كما نراه الآن، بل رأوه بصورة مغايرة.
واستطرد أبو العباس قائلا: طبقة الزوايا لم تصبح طبقة معيارية إلا مع مطلع القرن التاسع عشر، وتوفر الورق وانفتاح التجارة الأطلسية.
وأضاف: صورة الزاوي هي عقلنة للهزيمة.. عقلنة للظروف الجديدة التي أنتجتها حرب شرببه.
وقدم أبو العباس أمثلة لأنماط الخطاب التي أنتجها الزوايا، والتي تدل على أنه تم دائما إنتاج معرفة معينة لسبب معين، وهو ما نراه جليا في تحول معظم أنساب البيظان من زمن لآخر، وفي استخدام "أوفى" للطب كممارسة علمية عندما اطلع على كتب ابن سينا، بينما أعاد آخرون إنتاجها على أنها "سر الحرف"، وهو ما يسميه الدكتور عبد الودود ولد الشيخ "إدارة المخفي"، وفي الحجة التي استخدمها ابن تومرت للإطاحة بالمرابطين، وهي أن رؤوس نسائهم كأسنمة البخت، مما يعني أنه تم التحكم في أجساد النساء، وهو ما نجده لاحقا عند الإمام ناصر الدين، الذي حكى عنه اليدالي أنه ألزم النساء أماكنهن فلا يُرى لهن أثر..