صدرت عن مركز الجزيرة للدراسات دراسة جديدة للاعلامي الموريتاني المختص في الجماعات المسلحة محمد محمود ولد أبو المعالي تحت عنوان" الجغرافيا السياسيا للتنظيمات الجهادية في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل"
و تقدم الدراسة خريطة مفصلة لتوزع وانتشار تنظيمي القاعدة و"الدولة الإسلامية" في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء، والعوامل المؤثرة في ذلك الانتشار، تمددا وانحسارا، انطلاقا من مصر مرورا بليبيا وتونس والجزائر ومالي والنيجر ونيجيريا ثم بركنفاصو.
وتحاول الدراسة تتبع مصير هذين التنظيمين في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء، على ضوء مستجدات الوضع في منطقة المشرق العربي، حيث تقلصت فرصهما في الانتشار والظهور، وترصد واقع الجيوب والفروع التابعة لهما في هذه المنطقة، واحتمال تحولها إلى حاضنة للهاربين من العراق وسوريا.
وتهدف الدراسة إلى الغوص في إشكالية حالة الانزياح التي يُتوقع أن تعرفها "الحالة الجهادية" في المشرق العربي أو جزء كبير منها على الأقل، نحو منطقة شمال إفريقيا والساحل والصحراء، على ضوء انهيار المنظومة الإدارية والعسكرية لدولة "الخلافة" التي أنشأها تنظيم الدولة، وتقلص مساحتها الجغرافية، إلى حد الاندثار، وتشتت مواردها البشرية بين المقابر والمعتقلات والمخابئ، ثم تبحث فيما يثار من أسئلة حول العلاقة بين "الجهاديين" في المشرق العربي، ونظرائهم في المنطقة، ومدى الارتباط التنظيمي والأيديولوجي بينهما، وهل من الوارد أن يكون الجيل الجديد من الجهاديين في شمال إفريقيا والساحل والصحراء أكثر راديكالية وأشد تطرفًا من الجيلين السابقين، (القاعدة وتنظيم "الدولة الإسلامية")؟ وما مدى تأثير التنازع على شرعية تَمْثِيل "الحركة الجهادية العالمية" بين القاعدة وتنظيم "الدولة الإسلامية"، على فروعهما في المنطقة؟
كما تسعى الدراسة إلى رصد المعطيات المتوافرة ومقاربتها واستجلاء حقيقتها، من خلال قراءة استنباطية تستند إلى المتكأ العلمي البحت وتتبع ما يُنشَر ويتردد صداه في مراكز الدراسات وبين المهتمين والمتخصصين، عن فرضية بروز جيل ثالث من الجهاديين في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء، جيلٍ تمرَّس على المواجهة وخَبِر الحروب والاحتكاك، وبات أقدر على إلحاق الضرر بالمنظومة العالمية التي تحاربه، خصوصًا في منطقة كالساحل والصحراء تعاني الهشاشة الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وغياب النَّفَس الديمقراطي والعدالة الاجتماعية، فضلًا عن رصد الدراسة للتطورات الميدانية هناك، وذلك بغية فهم أعمق لما يدور فيها، بعد أن أصبحت منطقة ملتهبة، وتحولت إلى مسرح مفتوح للمواجهة بين دول المنطقة وبعض الجيوش الغربية من جهة، والتنظيمات ذات الطرح الجهادي من جهة أخرى، ومعرفة ما إذا كان هذا "المد الجهادي" المنتشر في صحراء تمتد حتى ضفاف البحر الأبيض المتوسط، وتعجُّ بالمصالح الغربية والدولية، سيتصاعد بوتيرة مشابهة لما حصل خلال العقد الماضي في المشرق العربي.
وتعتمد الدراسة منهجًا يستحضر الحالة التاريخية القريبة للحركة الجهادية في المنطقتين (المشرق العربي، وشمال إفريقيا والساحل والصحراء)، والتطورات التي مرت بها، والمنعطفات الحاسمة التي واجهتها، قبل أن تصل إلى الوضع الراهن، الذي ستحاول تقديم قراءة لخريطته السياسية انطلاقًا من مفهوم الجغرافيا السياسية باعتبارها تهتم بالعلاقات التبادلية-التأثيرية بين كل من الجغرافيا والسياسة، حيث تفرض الجغرافيا نفسها على السياسة كَقَدَر لا فكاك منه، ومن هنا تسعى السياسة لتخطي العوائق الجغرافية. وفي هذا السياق، تهدف الدراسة إلى التعمق في الخريطة الجغرافية للحركات الجهادية في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء، والتأثير المتبادل بين هذه التنظيمات والمناطق التي توجد فيها، وأسباب تمركزها ونشاطها هناك، ثم استشراف مستقبل تلك الجماعات والتنظيمات، مع التنبيه إلى أن النشاط الجهادي في المنطقة يقتصر على تنظيمي القاعدة و"الدولة الإسلامية"، باعتبارهما طرفي المعادلة في الحركة الجهادية العالمية، حيث يتخذ تنظيم القاعدة بكل فروعه في شتى أنحاء العالم، من قيادة "تنظيم القاعدة في بلاد خراسان" التي يتزعمها أيمن الظواهري، مرجعًا قياديًّا له، ويعتبر أسامة بن لادن الأب الروحي والمُؤَسِّس الأول لهذا التنظيم خلال العقد الأخير من القرن الماضي. أما تنظيم "الدولة الإسلامية"، فهو الابن الشرعي لحركة التوحيد والجهاد التي أسَّسها "أبو مصعب الزرقاوي" في العراق عقب الاحتلال الأميركي سنة 2003، وتطور التنظيم بعد ذلك ليمر بمراحل من أهمها مرحلة "الدولة الإسلامية في العراق"، ثم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، قبل أن يستقر أمرها على "الدولة الإسلامية" أو "دولة الخلافة"، وتتَّخذ فروع هذا التنظيم من خليفته، "أبو بكر البغدادي"، مرجعية قيادية ودينية؛ حيث يأتمرون بأمره وينتهون بنواهيه.
وخلصت الدراسة في استقصائها لإشكالية حالة الانزياح التي تعرفها "الحالة الجهادية" في المشرق العربي أو جزء كبير منها على الأقل، نحو شمال إفريقيا والساحل والصحراء، إلى أن هذه المنطقة تُعَدُّ واحدة من أكثر المناطق توترًا وعدم استقرار، وأكبرها مساحة، فضلًا عن تنوع وتعدد التنظيمات الجهادية التي تنشط فيها من الجماعات ذات الطابع الإثني مثل جماعة أنصار الدين وكتائب ماسينا وبوكو حرام، وغيرها، مرورًا بالجماعات الجهادية مختلطة الأعراق وذات النزعة الفكرية الواحدة، كإمارة الصحراء الكبرى، وتنظيم "المرابطون" و"جماعة الدولة الإسلامية في مالي"، هذا فضلًا عن أنها تعجُّ بالحركات المسلحة الأخرى المتمردة وذات الطابع الانفصالي أحيانًا كما هي الحال في شمال مالي الذي يوجد فيه عدد كبير من الحركات الطارقية والعربية المتمردة، وشمال تشاد الذي ينتشر فيه مسلحو المعارضة التشادية بمختلف فصائلها. كما تنتشر مجموعات أخرى مسلحة تأسست على أساس قبلي أو مافيوي، تخصصت في تهريب المحرمات والمحظورات، وقطع الطريق والخطف والسطو المسلح.