من قلب منطقة السلطان أحمد بمدينة إسطنبول التركية حيث حجر المليون التاريخي كانت كل الطرق تؤدي إلى روما..
لم يأتِ هذا المثل الشعبي الذي يتداوله السكان الأتراك من فراغ، إذ قبل أكثر من 1500 عاما أصبحت القسطنطينية (الاسم السابق لإسطنبول حتى عام 1930) مركز العالم وعاصمة إمبراطورية روما الشرقية.
وأراد الإمبراطور الروماني أغسطس في القرن الثاني قبل الميلاد أن تكون روما قلب العالم فأقام بها نصبا تذكاريا يُعرف اليوم باسم "المعلم الذهبي" (Milliarium Aureum) الذي اعتُبر مركز العالم في الحقبة الرومانية، وأصبح نقطة بداية ونهاية كل الطرق آنذاك.
ووفقا للروايات التاريخية، قرر الإمبراطور البيزنطي قسطنطين الأول بعد قرون نقل عاصمة روما إلى الشرق فوقع اختياره على بيزنطة الهادئة التي تقع على البوسفور، حيث أُنشئت مدينة القسطنطينية وفيها قصر الإمبراطور الذي بُني أمامه حجر المليون (306م–337م).
أساطير
يُعرف حجر المليون أيضا بـ "حجر نقطة الصفر" ويعد منطلقا للطرق التي كانت تتجه إلى روما القديمة ومنه يُحسب بُعد جميع مدن العالم عن القسطنطينية عاصمة إمبراطورية روما الشرقية، فيما يلفت المارّة على يمين الحجر جسر للمشاة وُضعت عليه أسماء مدن كثيرة في العالم إلى جانب المسافات التي تبعدها عن نقطة الحجر.
ويقع حجر المليون التاريخي الذي يجذب الآلاف من السياح يوميا بجوار متحف آيا صوفيا ومسجد السلطان أحمد بالقرب من طريق الترام TRAMVAY وبقي الحجر محافظا على لقبه هذا حتى سنة 1884 حين اعتبرت ساعة غرينتش هي مركز الأرض.
ويُعاد في كل عام ترميم الحجر وما يحيطه بالكامل، ويوضح العامل في بلدية إسطنبول سليم للجزيرة نت أن عمليات الترميم بدأت العام الجاري في شهر نوفمبر/تشرين الثاني بدلاً من ديسمبر/كانون الأول المقبل وأنه سيتم عرضه على المارة والسياح من جديد خلال شهر.
وتفيد وكالة الأناضول بأن البيزنطيين ينسجون أساطير ضخمة بشأن حجر المليون ويؤمنون بأنه حجر يعيق تقدم الأعداء وأن كل عدو يتجاوزه يتعرض لهجوم من قِبل ملائكة، غير أنهم أدركوا زيف هذه الرواية عندما دخل السلطان العثماني محمد الفاتح مدينة القسطنطينية عام 1453 وأصيبوا بخيبة أمل كبيرة.
وجهات سياحية
يتابع سليم حديثه "يمرّ من هنا سياح كُثر دائما ويسألوننا عن موعد انتهاء أعمال الترميم كي يزوروا الحجر ويلتقطوا الصور له. أحيانا نسمح للبعض منهم بالدخول لدقائق قبل أن نعود لعملنا".
ولا يقصد السياح أو المقيمون بإسطنبول والعاشقون لاكتشاف مزيد عن تاريخها العريق، الحجر وحده لدى زيارة منطقة السلطان أحمد بل يوجد الجامع الأزرق الشهير، ومتحف "آيا صوفيا" الشهير في إسطنبول الذي أصبح أحد أعظم مساجد المسلمين على مدى نحو خمسة قرون بعد أن كان أضخم كاتدرائية للمسيحيين الأرثوذوكس طوال تسعمئة عام ثم صار متحفا فنيا منذ 1934 بقرار سياسي وتعتبره منظمة اليونسكو من الآثار التاريخية المنتمية إلى الثروة الثقافية العالمية.
ولا يكفي في كثير من الأحيان يوم واحد للتنقل ما بين الجامع والمتحف وحجر المليون مرورا ببائعي الكفتة اللذيذة أو البوظة المنتشرة عرباتها على جانبي الطرقات أو عربات الكستنة والذرة التي تفوح رائحتها في أرجاء المكان.
ولا تخلو المنطقة من أسواق الحلويات والثياب والتذكارات والأقمشة وغيرها مما يلفت الأنظار وتعد منطقة السلطان أحمد اليوم منطقة سياحية بامتياز لا يفوّتها أي زائر لمدينة إسطنبول.
المصدر : الجزيرة نت