عبثاً يحاول الحزب الشيوعي السوداني التعامل مع تطورات المشهد السياسي بشريحتين، تجعلانه شريكاً في السلطة ومعارضاً لها في آن واحد، لا أدري ما الذي دفع محمد مختار الخطيب، سكرتير عام الحزب الشيوعي، ليصب جام غضبه على حكومة حمدوك التي يشارك فيها.
فتح الخطيب النار على الجميع ودشن موقفاً غريباً لا يليق بحزب كان له السهم الأوفر في مرحلة الحراك الثوري وحتى تشكيل حكومة التغيير بقيادة الدكتور عبدالله حمدوك.
ترى هل استشعر الشيوعي مدى الخطر الذي يواجه حكومة التغيير فأراد أن يسارع لنفض يده عنها، قبل أن تحكم الجماهير على تجربته في الحكم وتعرض عنه في أوان الانتخابات القادمة.
أخطر ما جاء على لسان الخطيب في تقديري هجومه غير المبرر على دولتي السعودية والإمارات والتنكر لما قدمتاه من دعم للثورة السودانية منذ مراحلها الأولى وحتى إسناد الدولة في إنفاقها اليومي إلى اليوم.
كان الأحرى بالخطيب أن يتقدم بالشكر لدولتين منحتا المواطن السوداني بسخاء ووقفتا إلى جانبه في أخطر منعطفات التحول السياسي دون منٍّ أو أذى.
لم يكن من كمال الوعي السياسي الهجوم على الخليج والمجتمع الدولي مرة واحدة من قيادي يعلم تحديات الظرف الاقتصادي وما يواجه حكومة حمدوك من امتحان عسير يقتضي الانفتاح على الجيران والأصدقاء، لعبور تحدي السقوط أو البقاء على سدة الحكم.
ترى هل قصد سكرتير الحزب الشيوعي تلغيم حراك الدعم المتوقع لحكومة حمدوك، خاصة وأن التحدي الذي يواجهها اقتصادي في المقام الأول، يبدو كذلك أن خلافات الحزب الشيوعي الداخلية كانت حاضرة في إفادات الخطيب وهو يرى أن الحكومة يقودها الآن (مرافيت) الحزب الشيوعي أو مجموعة الشفيع خضر، على وجه التحديد.
الهجوم على السعودية والإمارات لم يكن موفقاً من قيادي في قامة الخطيب، يبدو أن الأستاذ الحاج وراق كان يتوقع موقف الشيوعي الغريب، إذ أكد خلال مخاطبته ندوة في صحيفة التيار الخميس قبل الماضي، أن السودان لن ينقذه من (حفرته) إلا دعم الخليج والمجتمع الدولي، داعياً للتحلي بالواقعية والموضوعية في التعامل مع هذا الأمر.
ترى ما الذي يجبر السعودية والإمارات على تقديم دعم للسودان من القمح والوقود والأدوية والأسمدة يصل إلى ثلاثة مليارات دولار، إلى جانب نصف مليار دولار كاش أودعتها الدولتان خزينة بنك السودان لدعم احتياطي بلادنا المنكوبة من النقد الأجنبي.
أتفق تماماً مع التفسير الذي أوردته تغريدة الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة في الخارجية الإماراتية، تعليقاً على هجوم الخطيب واعتباره محاولة لتعليق الإخفاق والتقصير على شماعة التدخل الخارجي.
أراد الشيوعي خنق حكومة حمدوك بنسف تواصلها مع الخليج وسواء كان الأمر تنصلاً عن مسؤوليته في أداء الحكومة الذي مازال دون المطلوب، أو محاولة لتصفية حسابات مع مرافيته الذين يديرون حراك الدولة الآن، لابد من التأكيد على ضرورة أن يتواصل الدعم الخليجي الذي تستحق عليه السعودية والإمارات كلمة شكراً، فقد كان لوقفتهما مع الثورة السودانية أثر بالغ وملموس في نجاح التغيير، كان بإمكان الرياض وأبوظبي دعم نظام البشير لكنهما آثرتا الانحياز إلى رغبة الشعب السوداني في لحظة تاريخية فارقة، فلا يعقل أن نجازيهما بقول الخطيب.