بادرت اليوم باغتنام فرصة وجودي بدكار لأسافر عبر الزمن. فاتجهت إلى جامعة دكار افّان، جامعة الشيخ أنتا اديوب الحالية، لتطير بي مركبة التفكير والذكريات إلى عهد الشباب والصبا. دخلت من البوابة الرئيسية للحي الفاتح على شارع واكام و وقفت أمام المبنى -أ- Pavillon A صعدتُ مع السلم حتى الطابق الثاني واتجهت صوب الغرفة A276.
هنا كنت أسكن عام 1969 و فيها معي الأخ سيدي محمد ولد سميدع من اكتوبر 69 إلى يناير 1970، تاريخ وفاته تغمده الله برحمته الواسعة. كنت طالبا في كلية الطب وهو في كلية الآداب.
وقفت حائرا أمام زحمة المشاعر والأحاسيس والذكريات. وأكثر ما هالني في اللحظة واستحوذ علي هو سميدع: شخصيته الفذة، حياته القصيرة سنّا والطويلة معنىً، إرادته الفولاذية، جديته الخارقة، معيشته الزاهدة، سلوكه الفاضل، نشاطه الكثيف، فكره الخصب، معشره الحلو.. كان قليل الأكل والنوم، متواضعا، ملتزما، صارما مع نفسه، منضبطا.
أذكر أنه ملأ جدران الغرفة بصور "كاسترو" و "اتشي كَفيرا" و "نايف حواتمه" و "جورج حباش" .. وكان كثير المطالعة والقراءة ومعه عشرات الكتب والجرائد والمجلات العربية.. يكره اللغة الفرنسية ولا ينطق بها إلاّ لضرورة قصوى..
وكانت الغرفة A 276 ورشة عمل و مقرا رئيسيا لتحرير وطباعة وسحب وترجمة جريدة "الكفاح". ويمكنني القول بأني لم أر شخصا واحدا في دكار على الأقل يتعاون مع الأخ سميدع في إنجاز ذلك العمل الجبار. فهو المحرر والمترجم والطابع والساحب.
شخصيا، كنت أحترمه وأشفق عليه، ولكني غارق في مجون اللهو والغناء والترف والموسيقى بين مدينة بطوار و مدخل بكين حيث تقام غالبا سهرات النعمة ومحجوبه ومنينة منت اعليّ وسيد امحمد ولد أحمد لولا،،، وفي تجوالي وبحثي عن مجالس الشباب منحني الله فرصة التعرف على فتيان موهوبين .. شعراء و امغنيين و مثقفين وكرماء هم أبناء مولاي اعل حفظهم الله: القاضي أحمد سالم والصحفي الألمعي والأستاذ الحسن و ضابط الدرك المختار.. لقد تعلمت الكثير من مرافق ة هؤلاء الفتية..
ورغم أني أتقاسم مع سميدع نفس الغرفة، فإني لم أكن على صلة بما يقوم به من نشاط وعمل.. اعتقد انه كلفني مرة واحدة بمهمة نقل كمية من "الكفاح" وتسليمها لأحد أصدقائه في انواكشوط.. نسيت من هو ولكني أتذكر أنه كان على صلة وثيقة بالأستاذ محمدن ولد إشدو، حفظه الله ورعاه.
و لكي لا أطيل عليكم، سوف أعود إلى هذه الذكريات في مرة قادنة بحول الله،،،