لا شك أنه لا أحد فوق القانون. غير أن إنزال وكلاء أمن الطرق لوكيل جمهورية من سيارته بعد أن عرّفهم على نفسه لا يبرره أي منطق ولا تقبله أية أعراف مهما كانت مخالفته. فالأولى بهؤلاء الوكلاء هو أن يبلغوا رؤساءهم أو مصالحهم أن وكيل الجمهورية مرّ عليهم في وقت معين وبمكان معين وأنه كان في وضع مخالف للقانون أو التعليمات، ومن هنا يتصرف أولئك القادة أو تلك المصالح بإبلاغ وزير وزير العدل لاتخاذ الإجراءات المناسبة. أما أن ينزله وكلاء تابعون له فالأمر في غاية الخطورة لأنه يمس من رمزية وهيبة القضاء والقانون والدولة.
إنه من غير المقبول أن يكون وكلاء الجمهورية ممنوعين من وسائل العمل (فقد قلنا في مناسبات سابقة أنه لا توجد عند أي وكيل جمهورية في الداخل سيارة للقيام بمهمته)، وأن نمنعهم أيضا من ما تبقى لديهم من رمزية. إن إهانة وكيل الجمهورية من قبل وكلاء المرور يعد انتزاعا لرمزيته أي لآخر ما تبقى لديه من هيبة. والحقيقة أن الأمم لا تستقر ولا تبنى إلا بهيبة ورمزية إدارتها، وإذا تم الدوس على هذه الهيبة وهذه الرمزية تكون الفوضى والهدم. ولنا أن نتذكر في هذا الصدد دولا مثل بلجيكا وإيطاليا اللتين ظلتا، لفترة من الزمن، من دون حكومات، ورغم ذلك بقيتا مستقرتين آمنتين لأن لديهما إدارة محترمة ومهابة ومعترف لها برمزيتها، وبالتالي قادرة على المحافظة على استقرار وأمن ووجود الدولة في انتظار إيجاد حكومات.
أما بخصوص بيان نادي القضاة، فلم يكن صريحا في شجبه لما حدث، ولم يكن موضوعيا إطلاقا في تحامله على وزير العدل ومطالبته رئيس الجمهورية بالتدخل لإنصاف القضاة منه. فالقضاة يعرفون، كما يعرف الجميع، أن رئيس الجمهورية هو نفسه من أمر بإعفاء وكيل الجمهورية، وأن وزير العدل، شأن أي وزير آخر، لا يمكنه إعفاء أي رئيس مصلحة أحرى وكيل جمهورية، وبالتالي كان عليهم أن يرفضوا ما وقع على حقيقته، وأن يطلبوا إنصاف القضاة والإدارة من ممارسات رئيس الجمهورية، وليس العكس.
ذ. أحمد سالم ولد بوحبيني