صحةَ: الفصل بين القطاعين العام و الخاص طلاق صعب /د ـ حم ولد عبد القادر

اثنين, 17/12/2018 - 13:39

ملاحظة : كتب المقال في الأصل باللغة الفرنسية حيث تم ترجمة إلى العربية 

عرفت بلادنا منتصف الثمانينيات موجة ليبيرالية شملت مما شملت فتح قطاع الصحة لرأس المال الخاص.

ساهم هذا الاجراء مع انه كان نتيجة ظرفية دولية في حل و لو مؤقت لمشكلين : تخفيف الضغط غلي المنشآت الصحية العمومية و خلق عائد مادي محترم للأطباء ينسيهم ضعف الرواتب الشهرية للوظيفة العمومية.

و بما أن البلد لا يمتلك من المصادر البشرية ما يلبي حاجيات القطاعين العام  الخاص ( حتي الساعة لا زلنا تحت عتبة الألف طبيب منذ الاستقلال لا يتعدى الموجودون منهم علي الميدان الأربع مائة ) فقد و جد جميع وكلاء الصحة أنفسهم في وضعية " استخدام مزدوج" بين القطاعين مع شرط و حيد و نظري جدا و هو ان يكون العمل في القطاع الخاص خارج أوقات الدوام الرسمي.

كان وكلاء الصحة بمثابة زوج " معدد " لا يعبأ كثيرا بشروط العدالة ولا المساواة بين مستشفى عمومي ضعيف الراتب لكنه وجهة لجمهور عريض وعيادات خاصة تضمن دخلا معتبرا.

اليوم وبعد مضي أزيد من ثلاثين سنة علي هذه " المغامرة" تبدو النتائج محل جدل حتي أن بعض الشائعات القادمة من الوزارة تتحدث عن قرار وشيك بفصل واضح و نهائي للقطاعين.

في أوساط عمال الصحة تبدو الآراء مختلفة درجة التباين أحيانا بين من يودون الفصل الصريح علي طريقة  " ابركسيت"  و من يودون فصلا تدريجيا يشبه فطام الصبي و فريق ثالث يري الخير في بقاء دار لقان علي حالها.

ردة الفعل ازاء قرارا من هذا النوع لو أتخذ ستكون علي مستويات ثلاث

1.أقلية من الأطباء القدامى نسبيا و لديهم  زبناء كثر سيختارون من دون تردد القطاع الخاص

2.السواد الأعظم من الأطباء يعتبرون راتب الوظيفة العمومية علي ضعفه هو بمثابة تأمين علي الحياة و التخلي عنه يشكل قفزة نحو المجهول

3.وكلاء الصحة من غير الأطباء  ( ممرضين قابلات فنيي تخدير) هؤلاء مجبرون علي القطاع العام لأن طبيعة العمل في القطاع الخاص تفرض عليهم نوعا من التبعية للأطباء و ملاك المصحات..

 

و السؤال المطروح بإلحاح هو : هل نمتلك و سائل هذا الفصل؟

مبدئيا الجواب بالنفي ما دامت المصادر البشرية علي ضعفها و مداخيل العمال في القطاعين لا تقبل أي مقارنة. بعض الدول الأوفر منا حظا تدرس المسألة من سنين دون التوصل الي حسمها. فلو قدر ان رأي النور فسيكون حتما في نطاق أوسع و هو القتل المبرمج للقطاع الخاص.

ففي الواقع يلاحظ المراقب ان الدولة لم تعط يوما القطاع الخاص قيمة تذكر و ذلك بدليل:

 لا توجد إدارة للقطاع الخاص*

*لا توجد سياسة دعم مثل القروض الميسرة التي أعطيت للمزارعين  الصيادين

*لا وجود لمتابعة و مراقبة دفتر الشروط

*لا رقابة  علي الموظفين

*مصلحة الاحصائيات في الوزارة لا تعتمد أي معلومات من القطاع الخاص مثل عدد و نوعية المعاينات عدد الوفيات و أسبابها الامراض ذات التصريح الاجباري الولادات.....الخ

*فك صندوق التامين علي المرض بصفة أحادية و دون سابق انذار جميع تعاملاته مع القطاع الخاص منذو اكثر من عامين.

*وتبقي الصورة الوحيدة الحاضرة في اللا وعي الجماعي و الكاريكاتورية جدا هي   ذلك الطبيب الذي يجني الكثير من المال من خلال استنزاف المرضي المساكين " "

    هذه الوضعية قزمت الطب الخاص حتي جعلت منه قطاعا غير مصنف تشهد علي ذلك الوقائع:

*المنشآت تري النور بمجهودات فردية

*لم يشهد القطاع استثمارات كبيرة لجلب تقنيات متقدمة او بناء مصحات من طراز رفيع.

*لم يشهد القطاع أي تقييم لإدائه و انعكاساته علي صحة المواطن

*فوضوية كبيرة في بعض الجوانب المهمة مثل التوزيع الجغرافي للمصحات أسعار الخدمات و ضبط المداخيل من اجل جباية الضرائب بطريقة اكثر موضوعية و عدالة.   

في اطار مسارهم العلاجي ينقسم الموريتانيون حسب تفاوتهم المادي:

-الميسورون –باستثناء حالات الاستعجال- غالبا ما يتداوون في الخارج و من الملاحظ في الآونة الاخيرة تزايد المشتركين في شركات التأمين الأوربية خاصة الاسبانية.

-ضعفاء الحال: لا خيار لهم خارج المستشفى العمومي.

-المتوسطون : و هم في تزايد يتبعون مسارا يخلط بين القطاع الخاص في بعض الخدمات (الاستشارات بعض الفحوص و الاشعة) و القطاع العام في حال ارتفاع التكلفة (العمليات الجراحية الحجز طويل الأمد خاصة في أقسام الإنعاش.)

و الحال هذه يظهر جليا أن قطاعي الصحة في بلدنا يوفران نوعا من التكامل الإيجابي يستفيد منه المريض الذي يلائم بين امكانياته و حاجاته و يستفيد منها الطبيب حيث يتسني له متابعة مرضاه بين القطاعين.

ان اتخاذ قرار الفصل بين القطاعين بصفة متسرعة او غير مدروسة سيضر لا محالة قطاعا خاصا يعتمد أساسا علي ساعات فراغ أطباء كلهم موظفون و كذلك قطاعا عاما هو أضعف من تحمل أي هزة ارتدادية مما قد يصيب القطاع الخاص.  

 

تصفح أيضا...