حزب الصواب ينشر بيان عن القمة الافريقية في نواكشوط

أحد, 24/06/2018 - 10:13
افتتاحية
تنعقد بعد أيام القمة الإفريقية في عاصمتنا ، وهي مناسبة كافية للتعبير عن عميق ارتياحنا ونحن نشاهد بلدنا وجهة لهذا العدد الكبير من قادة الدول، ومحط أنظار الكثيرين من أبناء قارتنا العزيزة ممن يتطلعون إلى غد إفريقي أفضل، غد يسوده الوئام الاجتماعي والسلم الأهلي وتختفي فيه كل مظاهر البؤس والاستغلال والظلم والتفاوت التي تنتشر على مساحات شاسعة من قارتنا بفعل تداخل عوامل عديدة، ليست العوامل الداخلية منها بأقل خطرا وتأثيرا من العوامل الخارجية المترتبة على سياسة الهيمنة التي تسعى بعض القوى الكبرى في العالم إلى إدامتها وتأبيدها في وقت بات فيه مسعى الاستقلال الثقافي للشعوب، وحقها في تقرير مصيرها وحماية ثرواتها طموحا عالميا مشروعا تقره كل الشرائع والقوانين .
إن واقع شعوب القارة اليوم وطموحها المشروع يرتبان على هؤلاء القادة مسؤولية جسيمة لا تقبل التأجيل فالتحديات الداخلية المتمثلة في تراجع مؤشرات التنمية وانتشار الفقر والبطالة ، واختلال مقاييس الملاءمة والنجاعة في السياسات التعليمية والصحية ، وارتفاع معدلات الجريمة المنظمة وانتشار الإرهاب والغلو والتطرف مع ما يرافقها من ضعف التنسيق والتعاون بين بلدان القارة ، كلها أمور بحاجة إلى مقاربة جادة من طرف قادة يستشعرون مسؤولياتهم بأمانة ويستحضرون ما يحفل به التاريخ من روابط الأخوة والتعاون التي نسجتها في أجزاء زاسعة من القارة قيم الإسلام السمحة ، وساهمت في تعزيزها محاظر العلوم الشرعية والزوايا الصوفية التي عم إشعاعها كل أنحاء القارة ، فحافظت لأعراقها المختلفة على أصالتها الحضارية وخصوصيتها الثقافية ، ولعلكم تذكرون أيها القادة أن ذلك الإشعاع وتلك الأصالة الحضارية ما كان لهما أن يتما بالشكل الذي كانا عليه لولا ما تحوزه لغة الدين الغسلامي الحنيف، اللغة العربية من خصوبة وثراء، ومن قدرة على التفاعل الإيجابي والحي مع كل البيئات والثقافات خصوصا تلك التي احتضنت الإسلام المستنير الداعي بصدق إلى نشر قيم الحق والعدل والمساواة والحرية بين جميع البشر ، ولا شك أنكم تطلعون على ما تواجهه لغات إفريقيا الوطنية ومنها اللغة العربية اليوم في كثير من بلدانكم من تهميش في الدوائر الرسمية لصالح لغات هي في الأساس أجنبية على ثقافة وتقاليد وقيم الأغلبية الساحقة من شعوبكم التي حفظت بلغاتها الوطنية وفي مقدمتها اللغة العربية تاريخها وعاداتها وأنجبت عباقرتها ورواد الإصلاح فيها ، فتاريخ الألفة بين اللغة العربية وافريقيا تاريخ طويل يغطي أزمنة سحيقة ومساحات شاسعة ، فقد كان أسلافكم من ملوك وعظماء القارة ينزلون هذه اللغة وعلومها منزلتهما المناسبة ، ولا شك أنكم تذكرون أن الملك الموشي مونوغونابا كان يوقع اتفاقياته مع الغربيين عموما بنسختين يشترط أن تكون إحداهما باللغة العربية ، وأنتم لا بد تذكرون أن الخالد الساموي تورى قد كتب اسمه على ختمه باللغة العربية ، فتاريخ القارة إذن ، ورغبة شعوبها لا شك ، ودواعي التآخي والسلم يستدعيان منكم لفتة جادة تنقذ لغاتها الوطنية من واقع التردي الذي تعيشه في قارتكم ، وذلك من خلال إعادة الاعتبار لحواضنها الطبيعية على غرار ما قامت به كل دول العالم من اليابان حتى جزيرة مالطا.
إن احتضان عاصمة المنارة والرباط للقمة الإفريقية الحالية لهو خير دليل على عمق الروابط التي تجمع شعوب القارة ، ولكنه في الوقت نفسه مناسبة للتذكير أن استمرار تلك الروابط وتعزيزها بحاجة إلى تحقيق العدالة والمساواة من خلال حكامة رشيدة تعتمد قيم الديمقراطية وتنبذ الاستبداد وكل ما يؤدي إليه وتحارب الاسترقاق والتمييز العرقي والفئوي والطبقي، وتواجه بلا هوادة الفساد في جميع بلدان القارة وتنظر إلى الحرية باعتبارها حقا لا صدقة وتحترم مبادئ الكرامة الإنسانية التي تتفق على قداستها شرائع الأرض والسماء، فالديمقراطية الحقة القائمة على تكافؤ الفرص في خط الشروع ، والحكامة الرشيدة المنافية للمحاباة والزبونية كانتا وحدهما سبيل الشعوب التي ارتقت إلى قمم المجد ، وهما لا شك سبيل تلك الشعوب الطامحة إلى تحسين شروط وجودها في عالم التكتلات الكبرى الذي لا مكان فيه لصغار اللاعبين ، ولا للسائرين وأعينهم إلى الخلف توقعا للانفجار، فمسؤوليتكم أيها القادة في الرقي بشعوب القارة ، وبضمان وحدة نسيجها وحماية مكتسباتها الحضارية مسؤولية دقيقة في عالم ينحدر كل يوم وتتناثر شعوب دوله وتتفكك روابطها وتنهار قيمها الخاصة .

تصفح أيضا...