تعليق على جزء التراويح "24"'/ الدكتور إفاه ولد الشيخ ولد مخلوك ـ المدينة المنورة

جمعة, 08/06/2018 - 23:23

التروايح"24" 
إنها "الزمر"و "الحواميم " السور القرآنية المفتتحات ب "حم " المكيات نزولا المرتبطات فيما بينهن ألفاظا ومعاني؛ ففي الزمر يرتل الإمام "تنزيل الكتاب .." وذلك يُرجع الذاكرة لما في "ص" إن هو إلا ذكر للعالمين؛ مع ما بينهن من الشبه في أطوار الخلق ومراحله؛ حيث تتسم السورة بسمات التنزيل المكي من حديث عن الأحداث التاريخية ووعظ، وتثبيت لقلب النبي صلى الله عليه وسلم ومن اتبعه من المؤمنين، إضافة إلى الاستدلال على الأمور الغيبية بالأدلة العلمية والعقلية البينة؛ ترد السورة على الفرية أن لله ولدا تعالى عن ذلك وتقدس؛  ترد على ذلك بأدلة قدرته وخلقه للكون ومن فيه  "خلق السماوات والأرض " يكور الليل ؛يكور النهار؛سخر الشمس ؛خلقكم من نفس واحدة؛جعل لكم الزوج والأنعام ؛يخلقكم في بطون أمهاتكم"
 "ولاتزر وازة وزر أخرى " أساس الحرية الفردية والعدالة الاجتماعية؛وحقوق الأشخاص؛وتحمل المسؤولية ...
 "وإذا مس الإنسان ضر " إنه التعلق بالله؛والتوجه إليه بالدعاء في حالة اليسر والعسر،  وتستمر السورة في عرض سلوك المؤمن الخائف الراجي المنشرح صدره للإسلام المقشعر جلده عند سماع كلام رب العباد "الله نزل أحسن الحديث" لتكون الأمثال عبرة وعظة في كتاب الله "ولقد ضربنا للناس " تنبيها لتحديد الهدف وتصويب الهواية "ضرب الله مثلا رجلا فيه " "الله يتوفي الأنفس .." مقارنة الموت بالمنام غاية في الوعظ ودرس في قدرة الخالق جل شأنه، وآيات لقوم يتفكرون؛
"قل يا عبادي الذين أسرفوا " حصلت العبودية والإسراف؛ ترشد الآيات إلى عدم القنوط والمبادرة بالإنابة؛ والنكتة العلمية حسب تصوري أن هذه الفرصة جاءت للعامة والخاصة لكنها بالعامة والكثرة ألصق؛ وكأن ما قبلها متعلق بالأغنياء المستكبرين المتسلطين، من أجل ذلك ربط الظلم بالفداء منه "ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به "
 ثم جاء الحديث عن يوم القيامة وقدرة الله والنفخ في الصور والحساب الذي بدا التمايز فيه جليا بين الكافرين والمتقين من أول لحظة "وسيق الذين كفروا" فناسبت فعالهم أجواء جهنم عن قرب، وبعد سوق مُخز "فُتحت " لهم أبواب جهنم على سبيل المفاجأة ليزدادوا غما على غم، أما المتقون فوصف ورودهم للجنة بصيغة "وفتحت" بزيادة الواو للتراخي، وفي خطاب الملائكة لهم تصوير لما لاقوه من لطف وتكريم، 
وتختم السورة بما ختم به الحساب يوم القيامة: وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين ..
سورة "غافر " مكية من الحواميم؛ ترشد لتجنب ما ذكر من المصير والوعيد في سورة غافر جزاء للمشركين والظالمين؛ تصف كتاب الله بأنه من عزيز عليم؛ وتلك صفات تناسب ما ذكرناه من ارتباط السورة بما قبلها؛ تذكر صفة حمل الملائكة للعرش، والأدلة على وجود الخالق، وحال أهل النار، وتصف الأهوال يوم القيامة، مرورا بقصة موسى وفرعون؛ ليكون ذلك مدعاة للصبر ووسيلة لتسلية النبي صلى الله عليه وسلم وتوجيها للسالكين على نهجه من بعده إلى يوم القيامة ...
 "فادعوه مخلصين له الدين " تعليم الدعاء وذكره بعد المطر تنويها به، وبواحدة من أوقات الدعاء التي يستجاب فيها والله أعلم.
 "أولم يسيروا في الأرض " عدم الخبرة مُخل بالتجربة والعلم؛والظلم والظلمة مصيرهم مخز وفاضح ... "وقال رجل مؤمن من آل فرعون" أوصاف للشجاعة والقوة والعقل والنصح القويم.. "ما أريكم إلا ما أرى " إنها الديكتاتورية والتكبر والتسلط والظلم ومصادرة الرأي في أبهى التجليات، وتوضح الآيات بعد ذلك صفات الوزير المطيع للظالم في الباطل وخطره على سيده ومجتمعه "وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا " وتكررت لفظة "قال " يقول" محاججة بين الحق والباطل وبين أهلهما؛ لتشير السورة إلى رسل لم يقص الله خبرهم ورسل قص خبرهم وأن الله ناصرهم؛ تبيانا لمصير الأمم الخالية من إنعام وتكريم للمتقين، ومن إهانة وتعذيب لمن عصى الرسل "وخسر هنالك الكافرون" ..
سورة "فصلت" هي سورة مكية نزلت جوابا لمحاججة عتبة بن ربيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في بداية الدعوة، تهدف لأهداف التنزيل المكي، تفصل أحكام القرآن موضحة للعبر والأمثال، تنذر فتخوف، وتبشر فتخفف، وفيها ذكر لكثير من آيات الله الكونية  " ومن آياته الليل والنهار ..." وتذكير بالرجوع إليه "إليه يرد علم الساعة" غير أن بالسورة تنبيها للعاقلين هو أن للمفسدين والضالين بطانة تزين لهم الأمور وتصفها على غير الحقيقة "وقيضنا لهم قرناء"، وكأن في ذلك تلخيصا وإجمالا لما ذكر في السورة السالفة من قصة هامان وفرعون، ثم نجد في السورة بعد ذلك سردا لآيات الله الكونية، وتبيانا لقدرته، والاستدلال على البعث بإحياء الأرض وتوكيد ما ينتظر المكذبين: "ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شيء محيط"
سورة "الشورى" هي من الحواميم مكية تماثل سابقتها في الهدف والغاية؛ شأنها شأن الوحي المكي من تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم، والرد على كفار قريش وحججهم الواهية في تكذيب ما لم يحيطوا بعلمه ... ولتكون وقفات التأمل والتدبر في النقاط التالية : "وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله " تشريع رب العباد هو الخير والبركة والقانون السليم: "شرع لكم من الدين" تشريع الرسل واحد عبر الأزمنة المتعددة، "ولو بسط الله الرزق لعباده " الرزق لضعفاء النفوس مفسدة عظيمة؛والفقر لبعض العباد مفسدة أيضا؛ وتلك الحكمة من اختيار  من الوسط؛"أمة وسطا " وفي السورة أكثر من عشرين آية تبين قدرة الله وتصرفه وحده جل جلاله، وفي الختام ترد السورة  بطريقة غير مباشرة على من يدعى الغيب والاتصال بالله "وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا" وفي ذلك تحذير من الشعوذة وفضح للمشعوذين، لا سيما أنه جاء بعد ذكر هبة الله للولد وأنه وحده من يفعل: "صراط الله الذي له مافي السماوات ومافي الأرض ألا إلى الله تصير الأمور "
سورة "الزخرف" تفتتح بما انتهت به الشورى من وصف الكتاب والقرآن وهي من الحواميم وكلهن مكيات؛غير أن هذه السورة تبين إقرار الكفار بخلق الله لكونه مع عبادتهم للأوثان؛تذكر جعل البنات لله؛ وتقص خبر بعض أنبياء الله؛ مبينة ترك أهل الباطل وجملا من أهداف التنزيل المكي "قل أو لو جئتكم بأهدى مما... " لين الخطاب وصراحة القول مهم للحجة ولسماع الخصم لها "ويأتي ذكر نقيض هذا "ومن يعش عن ذكر الرحمان نقيض... " وفي السورة الآنفة "وقيضنا لهم " لتبيان خطر الوسوسة والحذر من البطانة، والحض على اختيار الناصحين، وتبين السورة بعد ذلك خطر التكبر والجهل "أم أنا خير من هذا الذي هو مهين " غير أن خاتمة هذه تتمايز عن سابقاتها بذكر الجنة وذكر النار "دعوة للوضوح والصراحة "أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم " وتختم بالصفح "وقل سلام فسوف يعلمون"
سورتا " الدخان والجاثية " من الحواميم مكيتان تهدفان لما يهدف إليه القرآن المكي تتكلم الأولى عن القوة والبطش، ناهية عن الظلم والتكبر والاستعلاء مبينة ذلك في قصة فرعون ليكون ختامها تخويفا لكبار الظلمة المجرمين، ثم تتحدث عن المتقين وما ينتظرهم من رحمة ونعيم 
وأما سورة الجاثية فيمكن القول إنها متممة للدخان غرضا ومعنى؛ حيث تركز على الآيات الدالة على قدرة الله ومنه وفضائله، وتحذر من الظلم وتبين أن الظلمة جنس واحد "وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض "، وفي السورة  تنويه بالقرآن العظيم "هذا بصائر للناس " وتدل الإشارة القريبة على الحث على تدبر القرآن ومعانيه وتوجيهاته وتعليماته؛ لأن الآيات كلها بعد ذلك توبخ من عرف آيات الله وكفر بها "فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين " 
الدكتور :افاه ولد الشيخ ولد مخلوك

تصفح أيضا...