أولويات الحكومة الأخيرة في المأمورية الأولى / بقل سعد بن عبدالله بن بيه 

أربعاء, 05/07/2023 - 07:12

 

ابتداءً لعله من حسن الحظ، أن الحقائق الجوهرية لطبيعة النظام السياسي الموريتاني -لم تكن أكثر وضوحا من الآن - بشكل مجمل جدا؛ فيما يتعلق بمكونات النظام  :  السلطة ( موالاة وأغلبية )،ومعارضة والنخبة السياسية  ( مستقلة أو متطلعة للمشاركة والتأثير في الشأن العام ). أوما تعلق بالمجتمع ( مكونات وهيآت وقوى مجتمعية) وما يمثله من بوتقة ومجال ينطلق منه وإليه العمل والتغيير.
-هذا الوضوح النظري، قد لا يكون  جديدا على أغلب المراقبين وعلى الدارسين والمتخصصين، الذين يمتلكون العٌدة المعرفية والعلمية والخبرة اللازمة، لمعرفة وفهم هندسة اشتغال  هذا النظام منذ  جذوره،  ماقبل تشكل الدولة ( بالنسبة لفهم تاريخ و عقلية وثقافة المجتمع وآلية تعاطيه مع شؤونه في الإطار العام)  من جهة .
وحتى تجربة قيام ونشوء دولة الاستقلال إلى اليوم من جهة أخرى .
 وتكمن أهمية هذا الاستنتاج على المستوى العام، في كونه أضاف وعيا لدى العموم بمعرفة حدود الممكن وما ينبغي ، فيما يتعلق بحدود التغيير المأمول! في واقع عنيد ومعقد، بفعل الخصوصية التاريخية والجغرافية والتجربة السياسية الوطنية .
- كل ما تقدم يبدو ضروريا لفهم مستوى التناول والتمييز، بين مستويات الكلي والجزئي، فيما يتعلق بمسألة الحكومة، من حيث هي جهاز تنفيذي ومساعد لرئيس الجمهورية، والذي يعد وبناء على الدستور وبفعل الواقع - الملمح إليه آنفا- هو المُنظر والراسم للسياسة العامة، في مختلف مناحيها السياسية و الاقتصادية والأمنية والخارجية ...الخ 
ولكن هذه المحدودية الواقعية لصلاحيات الحكومة دستوريا ، لا يمكن أن تصرفنا أو تغرينا فنهمل محاولة دراسة وفهم وتوجيه، أولوياتها كجهاز تنفيذي في يد الرئيس يمتلك الامكانيات البشرية والمادية والسلطات المفوضة ، لإنجاز أهداف تنموية حقيقة على أرض الواقع ، تكون ضرورية جدا لكسب الرئيس "شرعية الإنجاز" التي سيحتاج توظيفها، لكسب الشرعية الانتخابية مرة أخرى.
- من هنا - وبدون استفاضة - ما هي أو كيف يمكننا تصور ألويات حكومة السنة الباقية من المأمورية؟
- بداية نزكي ما أشارت إليه بعض التحليلات الصحفية، في مسألة مراعاة التوازن في تشكيل حكومة السيد محمد ول بلال الثالثة،  ما بين الحضور السياسي والتكنوقراطي من جهة ، وهو ما يستشف أيضا من حيثيات تقديم التشكلة الوزارية الجديدة من لدن الأمين العام للرئاسة.
وبالتالي فإن هناك خصوصية زمنية من جهة وسياسية وواقعية من جهة أخرى؛ أحاطت بولادة هذه النسخة الوزارية .
- من حيث المعطى الزمني؛ تتشكل الحكومة في ظرف زمني قصير جدا في أفق سنة قبل الانتخابات الرئاسية. ومن حيث المعطى السياسي ، تتشكل بعد ترتيت البيت السياسي من خلال الانتخابات التشريعية والتي أفرزت برلمان المرحلة الجديدة.
يميل الكثيرون - وهم مخطؤون في تقديري - إلى ما يتمنونه وهو أن تكون هذه حكومة مكافآت شخصية، وبالتالي هي حكومة سياسية لتصريف ما تبقى من المأمورية الدستورية الأولى لرئيس الجمهورية ، إنهم بذلك يحبسون الوطن والمواطن في الزمن السياسي، على حساب الزمن الحقيقي ( الزمن التنموي) !
وفي تقديري أحسب أن ملفات العمل الحكومي يجب أن تنصرف إلى عديد من المجالات سنحاول حصرها في ثلاثة ملفات كبيرة وكثيفة: 

الأول/ الملف السياسي ، يحتل هذا الملف واقعيا أولوية حاسمة في هذه الفترة ، ومن أبرز نقاطه : 
١ / المحافظة على ما ابتدأه الرئيس وعمل عليه من التهدئة السياسية التي يجب النظر إليها كمعطى استيراتيجي لاعتبارات - داخلية وخارجية- يضيق المقام هنا عن تفصيلها.
تحت هذه النقطة يمكن تصور كثير من الإجراءات، أظن أن من الفريق المعين في المصالح الرئاسية والحكومة من يدركها ويعرفها حق المعرفة. 
٢- العمل على تحضير الأرضية السياسية والتقنية اللازمة ، للاستحقاق الرئاسي القادم ، لضمان فوز مريح لخيارهم السياسي( والذي أقدر أنه فوز الرئيس بمأمورية ثانية) وتفادي عراقيل المجهول في تحقيق هذا الهدف.

الثاني/  الملف الاقتصادي والتنموي ، وهو ملف حقيقي وملح ومتجاوِز، ولا يجب بل لا يمكن أن تحكمه الاعتبارات الضيقة ، وهو ملف المصداقية الحقيقي لعمل كل رئيس وحكومة، وهو جوهر النجاح التاريخي لهما؛  يتعلق الأمر بمراجعة التدابير والإجراءات في ضمان عيشة كريمة للمواطن الموريتاني ، بل والتفكير في إجراءات تحسينية جديدة ، في ملفات التريبة والتعليم والصحة العمومية والدخل والقوة الشرائية والنقل والاسكان والبيئة ...الخ يجب خفض تكلفة معيشة الطبقات الدنيا والمتوسطة - وكل المجتمع هو يترد الآن بين هذين المستويين للأسف- بشكل ملموس وجدي .
ومساعدة أبناءنا الشباب بشكل شفاف وصادق في الدراسة و التشغيل والقروض ...الخ.
مجموعة القطاعات المسؤولة عن هذه الملفات يجب أن تُفطم و تنتهي نهائيا عن ممارسة السياسة بالمعنى السطحي والقريب والمهمل لوظائفها الحقيقية.

 الثالث /  الملف الاستيراتجي 
إذا كنا نتفق أن جميع الحكومات هي لحظات في عمر الدولة والوطن، فينبغي إعادة التفكير في ملفات ذات طبيعة استمرارية واستيراتيجية، توضع لها أسس متينة وجديدة، ويتعلق الأمر باعادة تعريف مقاربتنا الوطنية :
- في الوئام المجتمعي الدائم من خلال التربية على المواطنة والتسامح والتوزيع العادل للفرص والثروة والولوج للعدالة .
-وكذلك وضع أسس تنمية واقتصاد حقيقي جديد ومستديم يُخرجنا من دائرة الريع إلى دائرة الانتاج والاستثمار والتقدم .
- وضع سياسة خارجية دبلوماسية ودفاعية وأمنية مبتكرة ، تستجيب للتحديات الجديدة والمستجدة، وتضمن صيانة الاستقلال الوطني وجلب مزيد من المصالح ودرء المخاطر المحدقة .

تصفح أيضا...