نوازل ابن الأعمش العلوي في معرض الشارقة للكتاب

سبت, 06/11/2021 - 16:42

كتب د الشريف أحمد محمود الفقيه محقق نوازل ابن الأعمش

 

 مضى على رحيل العلامة المجدد النوازلي الطالب محمد بن المختار بن الأعمش العلوي (المتوفى 1107هـ) ثلاثة قرون وستة وثلاثون سنة، ظلت لهذه الفترة نوازله غير مجموعة في سفر مستقلّ تحت مسمى "نوازل ابن الأعمش".
غير أن مجموعة من نوازل ابن الأعمش جُمعت ضمن مجاميع إفتائية، كالمجموعة الكبرى الشاملة لفتاوى ونوازل وأحكام أهل غرب وجنوب غرب الصحراء، للدكتور يحيى ولد البراء، المطبوعة سنة: 1430هـ/2009، بانواكشوط. وجُمع بعضها في "العمل المشكور في جمع نوازل علماء التكرور" لمحمد المصطفى بن سيد أحمد بن عثمان بن مولود الغلاوي السيدي (ت حوالي 1214هـ)، الذي ضم نوازل ابن الأعمش، ومجموعة كبيرة من المفتين، وقد حققه الدكتور حماه الله بن السالم، وطبعته دار الكتب العلمية، 2015.
كما جمعت بعض نوازله ضمن "مجموع انبوي"، الذي جمع فيه القاضي الولاتي "انبوي" نوازل ابن الأعمش واثني عشر مفت معه. وقد حققه الشيخ أحمد مزيد بن بونه، وراجعه وقدم له الشيخ محمد المختار بن امبالة، وطبع، على نفقة المجلس الأعلى للفتوى والمظالم، التابع لرئاسة الجمهورية الإسلامية الموريتانية، 1418هـ/2017م.
وقد نظم عبد الله بن أحمد بن المصطفى الغلاوي الأحمدي نوازل ابن الأعمش ضمن مجموعة من أبرز النوازليين الشناقطة، كسيدي عبد الله (ابن رازگه) ت 1144هـ والشريف حمى الله التشيتيت 1169هـ. والورزازي الفاسي ت 1166هـ.
كما كانت نوازل ابن الأعمش مرجع النوازليين الشناقطة، فلم يفت مفت بعده في نازلة له فيها قول أو رأي إلا رجع إليه في ذلك القول أو تلك النازلة.
وقد حاولت أن أتقصّى كل مظانّ نوازل ابن الأعمش، حتى جمعتُ بعض نسخ فتاواه المخطوطة، وأضفت إليها بعض الفتاوى المذكورة في المجامع الإفتائية من ما ليس في المخطوطات، وحققت الكتاب تحقيقا – أراه علميا - مع دراسة شملت حياة المؤلف وشيوخه وبعض تلامذته، ومؤلفاته وأسانيده العلمية، وبعض آرائه واجتهاداته ....
الأعمال التي تناولت نوازل ابن الأعمش
حظيت نوازل ابن الأعمش بعناية بعض الباحثين تناولوها على النحو التالي:
أولا: تناول الأستاذ الدكتور حسن حافظي علوي نوازل ابن الأعمش في مقال عنوانه: "تجارة الملح من خلال كتب الفقه: مخطوط نوازل المختار بن الأعمش نموذجاً"، وكان القصد من المقال، كما هو واضح من عنوانه، الحديث عن تجارة الملح وطعميته وربويته وما يستتبع ذلك من تفصيل في أحكامه الفقهية.
ثانيا: حقق الدكتور محمد الأمين بن الشيخ محمد الحافظ جزءا من نوازل ابن الأعمش، في بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا بجامعة محمد الخامس سنة 1996م.
ثالثا: حقق الباحث الهادي حواس نوازل ابن الأعمش، في بحث لنيل شهادة دكتوراه في الفقه والأصول، من جامعة الحاج لخضر (باتنة 1)، كلية العلوم الإسلامية، السنة الدراسية: 2019 - 2020.
وقد تصفحت عمل الباحث فوجدته عملا بذل فيه صاحبه جهدا واضحا، وحققه تحقيقا علميا؛ مع أن الباحث جعله متاحا للتنزيل ليستفيد من جهده وعمله الباحثون وطلاب العلم، وهو أمرٌ يشكر عليه ويؤجر إن شاء الله؛ غير أن هذا العمل لم يسلم من بعض الأخطاء، والأهم من ذلك أنه لم يُطبع، لأن مدار الاستفادة والنفع العام أن يطبع الكتاب، فيصبح متاحا لكل من رام اقتناءه.
أما أهمية نوازل ابن الأعمش فتتلخص في كونها أقدم النوازل المحفوظة في سجل المخطوطات الموريتانية، فلم تعرف نوازل مجموعة قبلها، وهذا لا يعني عدم وجود نوازل قبلها، لكنها ليست معروفة ومجموعة ومنسوبة لصاحبها.
وكانت نوازله الفقهية عمدة الفقهاء بعده، وقد أكثر العلماء من العزو لها، قال ابن الأمين في الوسيط: "فقد ألف منهم فطاحل، تآليف مفيدة. فمن أقدم من وقفتُ عليه منهم: الطالب محمد بن الأعمش العلوي. فإنه أول من أجاد من أهل تلك البلاد، في تصنيف النوازل. وكل من ألف فيها ينقل عنه" (الوسيط).
وقال عنه محمدّو بن أحمد الصغير المسلمي التيشيتي كان صاحب الترجمة بارعا في الفقه غاية فيه وهو الذي تتوجه إليه الفتوى في زمنه. "وبلغ من ثناء أعلام بلده عليه فيه قولهم: لو كان في زمن مالك والليث لكان ثالثا لهما". (قرة عين ذي النظر السديد بإبراز مناقب علماء التجويد لمحمدّو بن أحمد الصغير المسلمي التشيتي (مخطوط).
وقال الشيخ محمد المختار بن امبالّه إن ابن الأعمش أول من تفنن في علم النوازل، وأنه مرجع النوازليين: "هو أول من تفنن في علم النوازل واعتنى الأعلام بنوازله، واعتمدوا عليها في الفتوى". (مقدمة تحقيق نوازل انبوي).
أما عن منهجية ابن الأعمش في نوازله، فإن السمة البارزة التي طبعتها أنه كان – كسلفه من علماء المالكية – يعتمد التقيد بمشهور المذهب والأخذ باختيارات المتأخرين وتخريجاتهم، مع اجتهادات مؤسّسة إن لم يجد للتخريج سبيلا، لكنّ اجتهاداته كانت تراعي في الأساس واقع الناس ومصالحهم ورفع الحرج عنهم، وذلك ما يلاحظه المتصفح لفهرس النوازل، أو الدراسة التي قدمت بين يدي النص المحقق، وقد سُقت فيها نماذج من تخريجاته واختياراته واجتهاداته، وكان حين يخرج عن مشهور المذهب أو يأتي بقول من خارجه، أو يجتهد في مسألة فإنه يعزز ذلك بجلب الأدلة من المنقول والقياس والمعقول، وقد كثر ذلك منه في مسائل مستغرقي الذمة، والتفريق بين الزوجين الميؤوس من الإصلاح بينهما، وكذا المداراة، كما ردّ على بعض معاصريه الذين قلدوا متقدمي أهل المذهب في بعض شروط بيع الملح التي بنوها على عرف متغير.
وقد حاولت في الدراسة التي قدمت بين يدي النص المحقق أن أسلّط الضوء على ما تضمنته فتاوى ابن الأعمش من آراء أو اختيارات أو تخريجات أو اجتهادات في بعض المسائل التي اقتضت نوعا من التخريج أو الاجتهاد، سواء كان مسبوقًا إلى بعض هذه الآراء أو كانت اجتهادات اقتضتها الظروف أو الضرورات.
وكان ابن الأعمش يتقيد في فتاواه بمشهور المذهب، لا يكاد يخرج عنه إلا في حالات نادرة، رأى أن الحكم فيها يقتضي الفتوى بقول مرجوح داخل المذهب، أو بقول من خارج المذهب، أو تخريج على قول سابق، أو اجتهاد منشئ.
وسأسوق نماذج لبعض فتاوى ابن الأعمش التي خالف فيها مشهور المذهب، فقد أفتى في شأن امرأة عقد نكاحها على الذهب أو الفضة لفظا مع انعقاد الضمائر على العرض وجريان العرف بذلك، فأجاب: إن النكاح على قسمين: مسمى، وتفويض، ولا ثالث. فأما المسمى فليس فيه إلا المسمى، قل أو كثر؛ وأما التفويض ففيه صداق المثل وهو محل العرف. وأما المسمى فلا مدخل فيه للعرف أصلًا إلا أن يكون المسمى مجهولًا والعرف رجح بعض محتملاته، فيتبع حينئذ العرف إذا لم يخرج عن المسمى.
وكانت فتاواه في مستغرقي الذمة مخالفة لما كان يفتي به العلماء، فكان يرى جواز معاملتهم وأخذ ما عندهم بكل وجه لا يجلب مذمة للمتعامل معهم، وقد خالفه تلميذه ابن الهاشم الغلاوي في مسائل من أحكام مستغرقي الذمة، ودارت بينهما مساجلات مطولة.  
كما كان لابن الأعمش رأي في التفرقة بين يميني القضاء والاستحقاق، وقد دارت بينه وبين الحاج الحسن بن آغبدي مساجلات في هذا الموضوع.
ومن أمثلة اجتهاداته التي تراعي واقع عصره، وتعكس صرامته وتمسكه برأيه ولو خالف نصوص المذهب فتواه بجواز معاملة مستغرقي الذمم وإباحة أخذ ما بأيديهم مطلقا، اعتمادا على رأي الزهري وابن مزين.
ومن أمثلة اجتهاداته رده على بعض معاصريه الذين قلدوا رأي متقدمي المالكية القائلين ببعض شروط بيع الملح التي بنوها على عرف متغير، وكانت الفتوى ردًّا على سؤال: هل ترك ذكر الصنف يفسد السلَم ولو لم تختلف به الأغراض والأثمان أو الأثمان دون الأغراض؟
ومن أمثلتها فتواه بتعين أخذ الدية من الثياب أو الحيوان بدل الإبل عند تعذر استيفاء الواجب لهم من ذهب أو فضة أو إبل.
ومن ذلك قوله بحسم باب الاسترعاء، فقد أجاب عن سؤال نصه: هل يستوي في الاسترعاء من هي في العصمة، وشرطت على الزوج أن يطلق ضرتها معها في العصمة لإصلاح ما بينهما والتي ليست في العصمة، وشرطت على من يخطبها أن يطلق زوجته وتأتيه، وأشهد في الاسترعاء كل واحد منهما أنه لا يقصد ما يريد أن يوقعه في الطلاق. بينوا لنا هل حكمهما سواء أم لا؟
فأجاب: أما مسألة الاسترعاء فليس بنافع في الأجنبية؛ لأن الاسترعاء - عند من يقول به - إنما ينفع في التبرعات، وأما غيرها فلا خلاف؛ لأن الاسترعاء غير نافع فيه؛ كالأجنبية المذكورة، وأما التبرع فله شروط صعبة تعجز عنها الطلبة، فكيف بالعامة؟ والصواب حسْمُ بابه.
ومن اجتهاداته فتواه بسقوط الحج عن أهل هذا الزمن، فقد سئل عن الحج في هذا الزمان؟ فأجاب: أما الحج في هذا الزمان فهو مُنى كل نفس وبغية كل مسلم، ولكن إذا كان على قوانين الشريعة وحدودها كما قال صاحب التخميس:
فطوبى لعبد زاره دون مِحنة    تُعَطِّلُ فرضًا أو تُخِلُّ بِسُنّةِ
وهو في هذا الزمان وقبله بكثير أحاطت به عوائق أسقطت فرضيته، من تضييع الصلاة وخوف على النفس والمال.
ومن ذلك فتواه بعدم تحريم الربا مع اللصوص المستغرقي الذمة.
وفتواه بطعمية الملح وربويته.
وفتواه بعدم الاستيناء بقضاء دين الميت الذي لم يشتهر بالديْن. فقد قال ما نصه: "فليس على الزوجة الاستيناء حتى يعلم هل عليه دين غير دينها؛ إلا أن يكون مشهورًا بالدين"، كما نص عليه الشيخ خليل رحمه الله.
أما مضامين فتاوى ابن الأعمش، فيمكن القول إنها شملت أغلب أبواب الفقه المعروفة،  كطهورية الماء ونجاسته والصلاة وأحكامها، ونصاب الزكاة في الإبل إذا ضلت متممة النصاب عند حلول الحول، واحتيال الطلبة في أخذ الزكاة من الأعراب لأنهم لولا هذا الاحتيال ما أخرج الأعراب زكاة أنعامهم، ووجوب إعطاء الزكاة للساعي ووجوب زكاة فطر البنباري - الذي يذكر الله بلسانه ولا يصلي - على سيده، والحكم في الحرابة ومستغرقي الذمة، وأسباب سقوط الحج عن الشناقطة في زمن المؤلف لعوارض أمنية، وما يتصل بالبـيـوع في الأطعمة من لبن وزرع ولحم، بالإضافة إلى النوازل المتصلة باستخراج الملح وبيعه والمعاملة به بدلا وسلما وقراضا وغيرها.
وستكون فتاوى ابن الأعمش بحول الله متوفرة في معرض الشارقة للكتاب المستمر بين الأربعاء 3 نوفمبر 2021 ولغاية 13 السبت مساء 13 نوفبر 2021م. والله المستعان، وعليه التكلان.

تصفح أيضا...