لم أشاهد المؤتمر الصحفي الذي نظمه "الانشقاقيون" بقيادة نائبة رئيس حزبنا اتحاد قوى التقدم معلقة العضوية السيدة كادياتا مالك جالو، اللهم إلا بعضا من نتف قليلة تم نشرها مرئية - وإن على نطاق ضيق- على الفيسبوك .
لكنني تابعت عن طريق صحيفة تقدمي فحوى ما ساقته السيدة الرئيسة من مبررات ومسوغات؛ معتبرة إياها أسبابا كافية لإقناع الرأي العام بأن الحزب انحرف، وبأن قيادته أصبحت فاقدة للشرعية؛ ما يخولها وصحبها الحق في عدم الانصياع لما يصدر عن تلك القيادة من قرارات وما تتخذه من إجراءات، أيا كان تطابقها مع الأطر التنظيمية والديمقراطية المعهودة، ومهما يكن حجم وزخم الأغلبية الذي تتكئ عليه.
وهنا وفي هذه العجالة أريد أن أشارككم رؤوس أقلام تعليقا على أهم ماتم الاحتجاج به في هذا المؤتمر، ويراد لكم معشر الأصدقاء والمناصرين والمعجبين أن تقبلوه شفيعا لهم في ما ذهبوا إليه من عمل على إفشال وتدمير حزب ظل دوما منبع إلهام ومصدر أمل لكم، وأنتم تتوقون لليوم الذي يتخلص فيه بلدكم من كل حيف وظلم وتهميش وغبن وإقصاء وتخلف.
أولا: الموقف من الرحيل: صحيح أن الحزب - وأيا كانت علاقته بالحركة الوطنية الديمقراطية؛ امتدادا.. وراثة..مقاطعة.. عداء...- لم يتبن العنف الثوري يوما ، ولم يتخذه سبيلا للوصول إلى الحكم، ولا لإيصال البلاد إلى الديمقراطية؛ فلا هو بالحزب الثوري ولا أدبياته ونصوصه تحيل إلى ذلك من قريب أو بعيد.
لكن وبالمقابل؛ فهل تعتبر مطالبة رئيس نراه فاقدا للشرعية، وغير قادر على تلبية الحد الأدنى من شروط المحافظة على تسيير شؤون البلد وفق القواعد المعهودة بالرحيل خطأ جسيما ويدخل في خانة الانحراف القاتل والمميت!؟
ألم يكن من حقنا أن نطمح لأن تخرج جماهير شعبنا - في سياق إقليمي مٌوات- هادرة سلمية وتطلب من حكامها العسكريين بجلباب مدني التنحي وتسليم السلطة لمن تختاره هي، لامن يفرضه عليها أصحاب البزات والأحذية الخشنة!؟
ألم تكن ثورة تونس، ومن بعدها ثورة مصر في حينهما ملهمتين، ومصدر فخر واعتزاز لكل عربي وإفريقي، ألم تتجليا نورا في نهاية النفق لكل الشعوب المغلوبة على أمرها ومنها شعبنا!؟
ألم يكن مطلب الرحيل الذي رفعته المعارضة في حينه ممثلا لمزاج القوى الحية المعارضة في البلد وتعبيرا عن إرادتها!؟
لو كانت المعارضة التي رفعت شعار الرحيل، وأنتم من خلفها وحولًها وفي قلبها أيها الأصدقاء والمناصرون والمعجبون سلكت طريق العنف سبيلا للوصول إلى هدفها، لسلمنا جدلا بأنها، أونحن منها على الأقل قد انحرفنا عن الخط الذي تبنيناه منذ العام 1998 ، أما وأنها لم تفعل أكثر من تنظيم مظاهرات سلمية، تداعت إليها الجماهير بطريقة حضارية موغلة في اللاعنف - وهوما يعيبه عليها البعض- آملة من خلالها، واستلهاما واستفادة من سياق إقليمي معين أن تفرض طموح شعب تاق طويلا إلى الديمقراطية، وحرمه إياها من لايراعون فيه إلا ولاذمة ، أقول أما وأنها لم تفعل غير ذلك فإن وصفه بالانحراف يبعث على الأسى على من اتخذوه حجة لاستمالة من لن يسعهم استمالته، بل إنهم بحجج ضعيفة كهذه ربما يثلمون تقديرا تاريخيا كان البعض يكنه لهم.
ثانيا: مقاطعة الانتخابات: نعم قاطع الحزب الانتخابات في 2013، وبقرار صادقت عليه أغلبية ساحقة، كالأغلبية التي قررت معاقبة المنشقين حينما تمادوا في الدوس على كل الأعراف الحزبية واختاروا الصبيانية سبيلا والعرًية مذهبا في التعاطي مع مؤسسة هي التي صنعتهم، أو على الأقل قدمتهم لمن انتخبوهم، فأصبحوا قادة رأي وأصحاب مكانة في الساحة السياسية.
ماكان لكم وأنتم المتشبعون فكرا، المتمرسون سياسة أن تقعوا في مثل هذا الخلط واللبس، الذي لا يخفى على أبسط متهج في مدارج السياسة، أحرى أن يكون متوسط المستوى أو بها ضليعا؛ فمتى كان تغيير التكتيك انحرافا عن الخط، وأي علاقة بين الخط والتكتيك!؟
إن مسألة مقاطعة الانتخابات التي اتخذتموها قميص عثمان، وجعلتم منها سلاحا نوويا فتاكا، ونتائجَها على الحزب سيفا مسلطا على كل فرد من الأغلبية الساحقة التي اتخذت قرارها، تظنون أنكم تبهتونه به مهما أبدى رأيا، أوجنح للسعي في اتخاذ قرار، هي أبسط بكثير مما يخيل إليكم.
فالمقاطعة والمشاركة كلاهما تكتيك، يخضع للظروف، وتمليه الإكراهات، وتدفع إليه الإغراءات، والظرف التاريخي الذي جرت فيه تلك الانتخابات التي قاطعناها كان ظرفا دافعا نحو المقاطعة، لامغريا بها.
ولعلكم تتذكرون معنا جيد أننا كنا في القلب من تحالف سياسي واسع، عهد منا الوفاء بالعهد، وتعاهدنا معه على أن نذهب معا باتجاه واحد، ولعلكم تتذكرون معنا أيضا أن غالبية الطليعة الحية من المعارضين المستقلين - ووسائط التواصل الاجتماعي تشهد صفحاتها على ذلك- كانت تدفعنا باتجاه المقاطعة، ولعلكم أيضا تتذكرون معنا أنه في حينه كان باب الأمل شبه معدوم بتحقيق نتائج إيجابية.
لوكنتم عبتم على المعارضة أو الحزب في حينه أن أسلوبهما في المقاطعة لم يكن مجديا، وأنهما لم يتخذا الإجراءات اللازمة التي من شأنها أن تجعل المقاطعة ناجعة وذات فعالية؛ لكان ذلك وجيها وذا مصداقية.
لو كنتم حملتم مشاركة بعض المعارضة في الانتخابات دون البعض مسؤولية فشلها في الحصول على المبتغى من المقاطعة، لما جانبتم الصواب وإن كان سببا واحدا من أسباب عديدة.
لوكنتم اعتبرتم الأمر جملة وتفصيلا تجربة خضناها، قدمنا فيها تضحيات ومنينا فيها بخسائر وحققنا منها مكاسب ربما أخلاقيها أكبر من سياسيها، لكنها انطوت بانطواء حيثياتها وسياقها؛ لكنتم أكثر إنصافا ولكان لما تقولون حد من المصداقية والموضوعية.
لكنكم اخترتم طريقا آخر، يبكي على المناصب، ويولى شطره نحو بعد الشقة بينه ورفاقه، نعم اخترتم طريق التشفي والنرجسية؛ فصرتم لاتفوتون فرصة إلا وتذكرون فيها بأنكم هم أصحاب بعد النظر، الاستراتيجيون، نافذو البصيرة، القادرون على الاستشراف دائما.
فصدعتم رؤوسنا بالمزايا التي خسرها الحزب جراء مقاطعة الانتخابات، و القيادات والجماهير التي انسحبت عنه بعد ذلك القرار الغبي.
لكنكم نسيتم، أو تناسيتم أن كل ذلك كان امتداد لتضحيات أكبر وأعظم قدمها هذا الحزب وسيظل يقدمها في سبيل الوصول إلى الديمقراطية الحقة، لا تلك التي من أعظم مزاياها أن يحصل مناضل على وظيفة نائب أو منصب عمدة فلايسعه أن يتخلى عنها تحت أي طائل.
ولعلكم نسيتم أو تناسيتم أيضا أن أولئك الذين تباكيتم كثيرا، ومازلتم تتباكون على انسحابهم من الحزب بسبب المقاطعة هم نفسهم الذين لم يستطيعوا أن يصبروا على محطة فاصلة بين جذرية معارضة، وأحضان نظام كانوا يعدون العدة للترشح جذريا ضده؛ فهل أن انحرافا بحجم مقاطعة الانتخابات يستحق عقوبة بحجم الارتماء في أحضان النظام.
لا أظنها إلا حجة متهافتة كالتي سبقتها لاتصلح لأن تقنع أحدا، ولربما يكون لديكم أيها الأصدقاء والمناصرون والمعجبون الذين شاركتمونا مطلب الرحيل وساهمتم معنا في مقاطعة انتخابات 2013 وعايشتمونا خلال فترة النضال تلك أكثر من رؤوس الأقلام هذه بكثير
محمد الكبير السيد