توجه اليوم الناخبون في تونس إلى مراكز الاقتراع لاختيار رئيسهم الثاني بعد الثورة وذلك بعد حملة انتخابية ساخنة هيمنت عليها خاصة قضية إيقاف المترشح الذي يعتبر الأوفر حظا بالإضافة إلى احتدام المنافسة بين الإخوة الأعداء داخل العائلة الحداثية.
فقد ألقى موضوع إيقاف نبيل القروي، الذي تضعه عمليات سبر الآراء في مقدمة نوايا الاقتراع، بضلاله على الجو العام للحملة الانتخابية من خلال اتهام رئيس الحكومة يوسف الشاهد، المترشح بدوره، بتطويع القضاء لإقصاء خصومه وضمان حظوظه. وقد مثل ذلك أهم صدام داخل العائلة الوطنية الحداثية التي كانت تعمل مع الرئيس الراحل، الباجي قائد السبسي.
كما احتدم الصراع دخل هذه العائلة أيضا بين المترشحين يوسف الشاهد وعبد الكريم الزبيدي وزير الدفاع. فقد صعد نجم هذا الأخير بعد وفاة الرئيس السابق مستفيدا من قربه منه وأصبح من بين الأسماء التي يمكن أن تضمن مكانها في الدور الثاني خاصة وقد تعزز صفه بالتحاق شخصيات كانت تساند يوسف الشاهد.
هكذا وعلى عكس الانتخابات السابقة لسنة 2014، تركز التوتر أكثر داخل العائلة الحداثية ذاتها وخاصة داخل التيار اللبرالي. فقد تراجعت كثيرا إشكالية التقسيم إسلامي/حداثي خلال هذه الانتخابات. ومما زاد من تخفيف ذلك الانقسام التقليدي أن حركة النهضة ذاتها لم تكن متحمسة كثيرا لهذا الرهان وكانت تطرح فرضية دعم شخصية من خارجها.
بغض النظر عن العلاقة بين المترشحين، لابد من الإشارة إلى الاهتمام الكبير الذي أبداه التونسيون بهذه الانتخابات الرئاسية. فعلى عكس ما كان يبدو في السنوات الأخيرة من أنه نفور من السياسة ومن السياسيين، تابعوا باهتمام المناظرة التلفزية التي جمعت المترشحين، سواء في منازلهم أو حتى في المقاهي التي غصت بهم. والحقيقة أن هذا الشغف يتعارض مع الصلاحيات المتواضعة التي أعطاها الدستور الجديد لرئيس الجمهورية والتي لا تتجاوز الدبلوماسية والأمن. ويعني ذلك أن صورة الرئيس التي ما زالت حاضرة في المخيال التونسي غير متطابقة مع النظام شبه البرلماني الذي تم تبنيه.
كما أنه من مفارقات هذا النظام السياسي أن تكون صلاحيات الرئيس محدودة وهو الذي يتمتع بشرعية انتخابية مضاعفة بين الدورين في حين يتمتع رئيس الحكومة بكل الصلاحيات وهو المعين من طرف البرلمان.
لذلك سوف يكون وقع هذه الانتخابات مرتبطا بطبيعة البرلمان الذي سوف تفرزه الانتخابات التشريعية خلال الشهر المقبل. والمرجح أن لا تخرج عنها أغلبية واضحة مما قد يكون سببا في عدم الاستقرار الحكومي.