سماح أي دولة لمواطنيها بحمل جنسيات دول أخرى أمر يتوقف على تقدير المشرع لمصلحة البلد، ويخضع كذلك لاتفاقيات الدول فيما بينها، فبعض الدول يمنع مواطنيه من ازدواجية الجنسية بالمطلق، وبعضها يمنحهم حق حمل جنسيات بلدان بعينها، ويحرّم عليهم بلدانا أخرى، وبعضها يمنح مواطنيه حق الحصول على جنسية أي بلد.
من بين جميع دول العالم هنالك أكثر من 50 بلدا لا يسمح بتعدد الجنسيات، من بينها: دول الخليج العربي، واليمن، والصين، وفنزويلا، واليابان، وإيران، واندونيسيا، والهند، وزمبابوي، وأوكرانيا، وسنغافورة، وكوريا الجنوبية، والموزمبيق، وماليزيا، واثيوبيا، والكونغو، وكوبا..الخ وعلى مواطني هذه الدول أن يختاروا الإبقاء على جنسياتهم الأصلية أو التجنس في بلدان جديدة. وهنالك دول تسمح بازدواجية الجنسية مع بعض الدول دون الآخر، فالبرازيل مثلا تسمح لـ70 دولة فقط، ومصر تمنع مواطنيها من جنسيات بعض الدول من بينهم البرازيل مثلا، بينما تسمح أغلب دول العالم بازدواجية الجنسية.
أما موريتانيا فـ"تسمح" بتعدد الجنسيات نظريا، أي أنه يمكن لأي موريتاني الحصول على جنسية بلد آخر، ولكنْ إبقاؤه على جنسيته الموريتانية يحتاج إجراءات ومساطر قد لا تكون بتلك السهولة، وليس ذلك بسبب التشريع فقط، بل لأسباب أخرى بعضها يتعلق بالبيروقراطية الشديدة، وبعضها يتعلق بنمط التشريع، والبعض يتعلق بقوة الوساطة وحتى بالإهمال وغيرها..
ينظم قانون الجنسية الموريتانية (القانون رقم 61-112 الصادر بتاريخ 12 يونيو 1961) والقوانين المعدلة له منذ ذلك التاريخ إلى القانون 023/2010، قضايا الجنسية اكتسابا ومنعا ومنحا وسحبا وإجراءات وغيرها، وتقول المادة (30) (المعدلة بموجب القانون رقم 73 - 010 الصادر بتاريخ 23 / 01 / 73 ):
"يفقد الجنسية الموريتانية:
1ـ الموريتاني البالغ الذي حمل ولا زال يحمل جنسية أجنبية أصلية.
2 . الموريتاني البالغ الذي اكتسب جنسية أجنبية".
وهذه المادة واضحة في سلب كل موريتاني جنسيته بمجرد الحصول على جنسية بلد آخر، وهو ما يناقض مبدأ السماح بتعدد الجنسية أو بازدواجيتها، غير أن المادة 31 (جديدة) تتدارك ذلك فتفتح باب الازدواجية حين تقول:
"يمكن لموريتاني بالغ ويتوفر على جنسية أجنبية أن يرخص له بناء على طلبه بالاحتفاظ بالجنسية الموريتانية.
ويمنح هذا التًرخيص بموجب مرسوم".
وقد فككتْ هذه المادة ـ نظريا ـ مشكلة الحرمان من ازدواجية الجنسية، غير أنها وضعت الاحتفاظ بالجنسية بين يدي السلطة التنفيذية بشكل واضح، وذلك بالنص على الترخيص بمرسوم صادر عن الرئاسة!
تبدأ إجراءات الاحتفاظ بالجنسية الموريتانية لأي موريتاني حصل على جنسية بلد آخر بوضع ملف يتألف من الجنسية الموريتانية والجنسية الجديدة المكتسبة والوثائق المدنية وطلب خطي الخ لدى سكرتاريا مديرية الشؤون المدنية والختم، والمعنية بملف الجنسية بناء على القانون أعلاه والقوانين المعدلة له، وكذلك المرسوم رقم 2007-084، الصادر 15/06/2007 المتضمن صلاحيات وزير العدل، في تنظيم الإدارة المركزية لقطاعه. على أن تتم دراسة الملف وإحالته إلى رئاسة الجمهورية، وهو ملف بلا تكلفة مالية أو جباية.
إن آلاف الموريتانيين في مختلف القارات ـ ممن هاجروا للبحث عن عيش كريم، أو فرص علم لم تتح لهم في وطنهم، ومن بينهم خبراء في مجالات عدة، وأصحاب كفاءات عالية، وأشخاص ناجحون في التحصيل، وللجميع مردودية كبيرة على الوطن ـ فقدوا جنسية بلدهم الأصلي تلقائيا، بعد أن منحتهم بلدان أخرى لا تربطهم بها غير ظروف الحياة جنسياتها، في حين بقي ولاؤهم وهواهم وارتباطاتهم وحتى مردوديتهم الاقتصادية لبلدهم الأم، لبدهم الأصل، لبلدهم الذي يتعلقون به ويتنفسون حبه مع كل شهيق وزفير. ومن المؤلم أنه في وقت يرحب بهؤلاء العالم الآخر، يحتاجون تآشر ودفع مبالغ معتبرة من أجل دخول بلدهم، وقد يصاحب ذلك بعض الإجراءات غير المسؤولة مثل الاستفزاز والإهانات، وحتى الضغط من أجل دفع رشاوى أو عمولات خارج القانون.
كثير من هؤلاء قدموا ملفات بالطريقة المناسبة والمطلوبة منذ زمن طويل، ولم يجدوا أي آذان صاغية رغم أن بعض ملفاتهم وصلت الرئاسة قبل سنوات، وبعضها وصل الجهات المعنية دون ذلك، ولم يحصلوا على عذر يحترم سعيهم للاحتفاظ ببلد أحبوه ووالوْه وترعرعوه فيه وارتبطوا به، وقدموا له الكثير، في حين يحتاجونه ليقدم لهم القليل، مجرد جنسية، ورثوها عن أجدادهم كابرا عن كابر!
من هذا المنبر ومن هذه الصفحة أو الحساب، أناشد الجهات الرسمية وخاصة وزارة العدل ورئاسة الجمهورية، أن تتخذ إجراءات سريعة وجادة لتسهيل احتفاظ أبناء البلد وبناته بجنسياتهم وبطريقة لائقة، ما لم يقوموا بأعمال مخالفة للقوانين مانعة للترحيب بهم، وأن تبدأ هذه الإجراءات بحل مشكل من تقدموا بطلب الاحتفاظ بجنسياتهم منذ فترة طويلة. بل إنه من الوارد أن يتم تغيير القانون بما يجعل الأمر أسهل وأكثر انسيابية.
إنه من المؤسف والمرّ أن يتم تسهيل هذا الإجراء للنافذين ومن يملكون وساطات، وأن يتمتع بازدواجية الجنسية كبار المسؤولين وعتاة النافذين، في حين يحرم منها كثيرون من الشباب الأكفاء، والمهاجرون المنتِجون لسبب عدم وجود وساطة كافية لديهم. فإما أن يمنع القانون ازدواجية الجنسية بشكل مطلق مثل بعض الدول، أو يترك الخيار للجميع بين جنسية موريتانيا وأي بلد آخر اختاره أو أرغمته الظروف عليه، أو يفتح باب تعددها أمام جميع المواطنين دون ازدواجية معايير ولا إهانات ولا تسويف.
فالقسط القسط، والعدل العدل، واللطف اللطف!