يستخدم مصطلح الفلاتة ليدل على قومية الفلاني والهوسا والبرنو المنحدرين غالبا من هجرات من غرب أفريقيا
تعرفهم ببشرتهم الفاتحة وأنوفهم الدقيقة وأعناقهم الطويلة، وكذلك بألوان لباس نسائهم البراقة وزينتهم البهية وبأريحيتهم الموطيبتهم.
قديما قال عنهم الرحالة ابن بطوطة ”رأيت أناسا شبه بيض، سحنتهم عربية، يرحلون بمفردهم وسط الغابات، ونحلتهم المعيشية رعي الأبقار“.
هؤلاء هم ”الفلاتة“ أو الفلان الذين تروي الجزيرة الوثائقية مسيرتهم عبر التاريخ في فيلم بعنوان الفلاتة ”أحفاد نوح“ ضمن سلسلة ”نسيج وطن“.
يستخدم مصطلح الفلاتة ليدل على قومية الفلاني والهوسا والبرنو المنحدرين غالبا من هجرات من غرب أفريقيا، وخصوصا من نيجيريا إذ تشكل هذه القومية نسبة معتبرة من سكان القارة الأفريقية بتنوع حدودها ودولها ولغاتها وأعراف وثقافات شعوبها المتنوعة
ويرجع بعض نسّابة الفلاتة أصولهم إلى عقبة بن نافع، بينما يرجع باحثون آخرون الأصول العليا لقومية الفلاتة أو الفلاني إلى حام بن نوح.
وأول من رجّح هذه الرؤية من المؤرخين الأوربيين المعاصرين موليان الذي تحدث عن أصلهم الحامي الإثيوبي، بعد أن لاحظ تقاربا مهما في العادات والأوصاف بين الفولانيين والنوبيين.
أما بارت فيعتقد أنهم نزحوا من شرق أفريقيا وسكنوا شمالها قبل وصول البربر ثم انحدروا عبر المغرب الأقصى في عام 150 قبل الميلاد، ووصلوا إلى منطقة حوض نهر السنغال تحت ضغط العرب واستوطنوا منطقة فوتا تورو.
وحاول ميلر إثبات افتراض بارت بإيجاد علاقة بين لغة الفلانيين وبين لغة نوبة كردفان، لكن فريقا آخر من المؤرخين يفترض أن أصول الفلان ترجع إلى أصول ليبية وجاءت عبر موجة نزوح تاريخي من مصر وآسيا كتلك القبائل التي تحدث عنها هيرودوت في كتابه الرابع.
ويجزم فانسان مونتاي أن الفولانيين جاؤوا من صعيد مصر وهاجروا منه عن طريق بلاد المغرب ثم انحدروا حتى بلاد السنغال.
إلا أن العديد من الباحثين الأفارقة انتقدوا بقوة الأطروحة التي قدمت من طرف الباحثين الغربيين والتي تفترض قدوم الفلان من خارج القارة الأفريقية واعتبروها جزءا من دعاية الكولونيالية الغازية والمغتصبة للقوة وسلطة الشعوب الأفريقية.
البقر والانتجاع
تقطن الفلاتة في العديد من دول أفريقيا وتشكل أحد فصائل قومية أو شعب الفلان، ولها حضورها المؤثر ولا تزال إلى اليوم تحافظ على تقاليدها في العيش مع البقر ذي القرون الطويلة، متنقلة في مختلف فصول السنة بين محافظات عدة وبلدان متعددة داخل القارة التي خبروا سهولها ووديانها منذ آلاف السنين.
ولم يؤد اختلاف سحنتهم عن بقية قبائل أفريقيا إلى حسم انتمائهم، بل شكل عامل شك في هويتهم.
ويقطن الفلاتة أو الفلان في غرب أفريقيا، فهناك مركز وجودهم الأكبر، وقد أقاموا في نيجيريا سلطة قوية استمرت لأكثر من قرن بقيادة الشيخ عثمان دان فوديو وأحفاده.
وفي منطقة فوتا الملاصقة لنهر السنغال يوجد قسم منهم كان له دور سياسي بارز خلال القرون الأربعة الأخيرة في منطقة الغرب الأفريقي، حيث نشأت لهم سلطات وممالك إسلامية قوية ولايزال تأثيرهم مستمرا في هذه المنطقة، وامتد أيضا إلى السودان التي شكلت محطة عبور نحو البلاد الحجازية للحج، فضلا عن وصولهم إلى مناطق وسط هذه البلاد.
في هذه المناطق وجدوا المناخ خصبا وملائما فطاب لهم المقام. وألفوا الاستمرار في نجعة البقر على ضفاف النيل وترعه الخصبة فأقاموا بالسودان لقرون.
وفي مدينة ”واو“ غرب بحر الغزال، تتضح لك قومية الفلاتة بلون بشرتهم الفاتحة، وشكل أنوفهم الدقيقة وأعناقهم الطويلة وكذا بألوان لباس نسائهم البراقة وزينتهم البهية، هذا فضلا عن أريحيتهم وطيبتهم، وإن اعتبرهم الدارسون لتاريخهم ذوي شكيمة وقوة بأس في الصراعات التي يكونون طرفا فيها.
عصب الحياة
يعتمد الفلاتة على البقر فهو عصب حياتهم، فارتباطهم به وثيق ليس لكونه وسيلتهم الاقتصادية فقط، وإنما أيضا هو مجدهم الذي يحقق لهم معنى الحياة، فبه يتفاخرون في النوادي فيما بينهم وجل سؤددهم مرتبط بامتلاك الأعداد الوفيرة منه.
ويعتمد الفلاتة على الأبقار في التربية والتجارة، فجل نشاطهم الاقتصادي قائم على رعي المواشي وارتباطهم بالريف هو الأقوى، ويتوارثون ثقافة عملية قائمة على استثمار هذه الثروة في الأماكن الخصبة.
وينشط شباب الفلاتة وتجارهم في تزويد الأسواق بكميات كبيرة من البقر الذي يكسبون منه ثروات طائلة.
وأحيانا تتطلب الرحلة عشرة أيام من السير على الأقدام من عمق أدغال المراعي إلى المدن وأسواقها لبيعه هناك.
التكافل والانغلاق
كذلك يتميزون بالتكافل والتعاون فيما بينهم لدرجة أنهم منغلقون على ذواتهم من الناحية القبلية فلا يعاشرون غيرهم، وزيجاتهم من القبائل الأخرى قليلة، لذلك حافظوا على نقائهم العرقي وسحنتهم وشكل خلقتهم المتوارثة عبر الأجيال بنفس الجينات تقريبا.
وتنقسم هذه القومية إلى مزارعين ورعاة، غير أن الرعاة هم الأكثر تعلقا بالقيم القومية للمجموعة وهي في أغلبها نظام اجتماعي إنتاجي متكامل.
يعيش الفلاتة على رعي المواشي واتباع مواطن المطر والكلأ، لأن حياتهم الاقتصادية ترتبط بهذا الجانب ارتباطا كبيرا.
ففي فصل الخريف ينصبون خيامهم في المواطن المناسبة على جنبات وضفاف الوادي ويقيمون حظائر لقطعانهم من الأبقار وغيرها من المواشي.
ونظرا لصغر خيامهم وسهولة طيها، فإنه يمكن لك أن تمر بها دون أن تتعرف على الفريق، ولكن في الليل لن تتعرف على دار ”الفريك“ إلا بخوار العجول وحلب الأبقار.
الإدارة الأهلية للفلاتة
للفلاتة نظام إداري أهلي ينهض بوظائف اجتماعية هامة في حياة الناس، وهذا الجسم له سلطة عامة تنتهي لوظيفة الناظر العام للفلاتة. وفي كل نظارة عشر معتمديات وتتبع لكل عمدة مجموعة من الشيوخ في نطاقه الجغرافي. ومن مجموع النظارات الإقليمية ينصب السلطان العام للفلاتة في الإقليم الواحد.
هذه السلطة تتكفل بحل مشاكل المجموعة المختلفة أو السعي في حلها لدى الجهات المختلفة، سواء كانت جهات إدارية في الدولة أو قبائل أخرى ومجموعات عرقية أو مدن، فالنفير القبلي قائم لنصرة الفلاتي وتبني قضيته.
يكتسي هذا التبني أهميته، فالسلطة الفلاتية الرمزية هي ذاتها لها مسارها الوطني المرتبط بالهوية الاجتماعية القبلية التي تعتبر بالنسبة للسلطات الأهلية هي الهوية الحقيقية المعتبرة بغض النظر عن السلطة أو الدولة القائمة.
المرأة والشباب
تتولى النساء القيام بمهمة حلب البقر في الأوقات المختلفة وخصوصا في الصباح قبل مغادرته ”المراح“، ويشكل اللبن جزءا أساسيا من العنصر الغذائي الذي تسهر المرأة على إعداده خصوصا مع العصيدة.
وتنهض المرأة بدور تجاري يومي إذ تذهب من البيت صباحا لـ“الفركان“ التي تكون قريبا من المدن والقرى الكبيرة حيث تزدهر التجارة، وتتاح فرصة لبيع الألبان المصنعة والأكلات الشعبية الشهية التي تكون الألبان عنصرا هاما فيها.
تذهب النسوة بشكل جماعي إلى السوق لبيع مشتقات لبن الأبقار من سمن ولبن، ويعتبر هذا النشاط من النشاطات الأساسية للكسب ورفع مستوى الدخل بالنسبة للأسرة الفلانية، ومن ثمن تلك المبيعات يقتنون ما يفتقرون إليه من أدوات وملابس ومواد وعلاجات.
ويضطلع الأطفال ما فوق سبع سنوات بمساعدة الرجال في رعي القطعان وجمع الحطب والأخشاب لبناء المنازل لإقامة منازل للمتزوجين الجدد أو العزاب الذين يستقلون عن أسرهم.
أما الشباب اليافعون فمهمتهم تأمين القرية وجلب المياه وسوق القطعان والبحث عنها إذا ضاعت أو اختلطت بغيرها من المواشي.
الحياة الدينية
الفلاتة جلهم مسلمون وتعلقهم بالدين والأصول العربية كبير، ويُعلمون أطفالهم القرآن ويؤدون الصلوات الخمس وهم على المذهب المالكي وتنتشر فيهم الطريقة القادرية والتجانية بشكل واسع، ويعتبر تدينهم عميقا بالمقارنة مع غيرهم من القبائل الأفريقية.
مظهر هذا التدين يتجسد في انتقالهم من أماكن بعيدة لصلاة الجمعة وتمسكهم بالتعليم وإقامتهم صلاة الجماعة في القرى والبوادي.
المصدر: الجزيرة الوثائقية