وبعد أن رفض الوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة، وبطريقة لا لبس فيها نفي خبر "تسلل" مسلحين إلى الأراضي الموريتانية، وهو ما يعد بالمفهوم الإعلامي تأكيدا له، وهو الخبر الذي نشرته الأخبار ظهر الثلاثاء الماضي، ونال حظا وافرا من النقاش – هادفا وغير هادف – والتشكيك، والطعن، وحتى التحريض على وسيلة الإعلام التي نشرته.
ومع أننا في الأخبار اعتدنا أن تنتهي علاقتنا بالعناصر التي ننشرها فور نشرها، وأن نحترم للقراء والمتابعين حقهم في التعليق والتفاعل كاملا غير منقوص، بل نتعمد في أحايين كثيرة مصادرة حقنا في التعليق على تعاليقهم إمعانا في منح هذا الحق.
رغم هذا "العرف"، فقد ارتأيت لأسباب بعضها يعود للخبر، وبعضها يعود للمعلقين عليه، أخذ حقي كقارئ في التعليق عليه، وإنارة الرأي العام حوله، و"توسلت" لذلك بالتعليق على تعليق "غير تقليدي"، بحكم الزمالة، والاختصاص، وهو صديقنا العميد محمد محمود أبو المعالي.
لقد نشر الزميل معالي تعليقا عن الموضوع، وما يكتبه معالي يستحق أن يقرأ بتمعن، فهو الصحفي ذو التجربة الرائدة، والخبير المجرب، والمؤلف الحصيف، وقد اختار وصف تعليقه التحليلي بالـ"سريع".
ينقسم التعليق لقسمين:
أولهما: شرح تفصيلي وتزكية لاستراتيجية "المتاركة" التي اعتمدتها الجماعات المسلحة الناشطة في الساحل والصحراء تجاه موريتانيا.
ودون الخوض معه - وهو الخبير في تفاصيل ذلك -هل تمت المتاركة باتفاق مكتوب أم بهدنة وتبادل للرسائل عبر الوسطاء، أو عبر الإعلام والإعلاميين؟ رغم أن العلاقة بعيدة الشقة بالخبر المنشور، أحرى أن تصل درجة نقله من خانة الأخبار إلى درك الشائعة، فإن المعطيات تقول بوجود تفسير لدى بعض تلك الجماعات إن لم تكن لدى قيادتها عن دور حقيقي أو متوهم لبعض أجهزة الأمن الموريتانية في اغتيالات حصلت السنة الماضية هناك، وبالتأكيد لن تكون تلك المعلومات غائبة عن الزميل معالي، وليست لدي معطيات – مثله - للجزم بعدم وجود دوافع بإرسال المتسللين ولا فرضياتهم.
أما ثاني أقسام التعليق، فيتعلق بتزكية الاستراتيجية الأمنية و"أبرز الفعالين فيه"، أي الرئيس الحالي محمد ولد الغزواني.
وكلا القسمين، منفصل عن الخبر، وإن عنون به، فهو إما استغراب غير مباشر للخبر، أو دعوة للطرفين لمواصلة التهدئة والاستمرار في خيار "المتاركة".
وقبل أن أختم تعليقي، أسجل الملاحظات التالية:
1. أستغرب من مهني مثل معالي أن يميز بين التعليق على خبر ونفيه وتحويله إلى شائعة (تساؤل سبق التعليق المطول على الصفحة) دون تقديم ما يثبت ذلك، وهو العارف – بدقة - للفرق بين الاثنين.
2. عنونة الموضوع الرائع عن بشأن الإستراتيجية الأمنية الموريتانية، ودور "أبرز الفعالين" في قيادتها، وكذا عن تجربة "المتاركة" بين موريتانيا والحركات شوش على العنوان، وعلى المضمون معا.
3. يتذكر الزميل معالي جيدا الردود التي تعرضت لها وكالة نواكشوط للأنباء "ونا" التي يتولى إدارتها بسبب نشرها أخبارا تتعلق بتنظيم القاعدة في فترات مختلفة بعيد عملية "حاسي سيدي"، وقبلها وأتوقع أنه لم ينس ما صاحبها من تحريض وتشكيك في صدقية تلك الأخبار، ومن تحليلات تنفي إمكانية وقوعها عقلا، ومنطقا، وكنت أربأ به عن التعاطي بنفس التحليل التشكيكي مع خبر من الواضح أنه غابت عنه معطياته كلها أو جلها.
وختاما، أشكر لكل المعلقين ثقتهم، وتفاعلهم، وأجدد "طمأنتهم" أن للأخبار تقاليدها في التأكد من المعطيات، وأحيانا يأخذ منها ذلك الكثير من الجهد والوقت، والاتصالات، والمقارنات، ومنها هذا الخبر الذي أخذ تدقيقه من مصادر متعددة قرابة 10 أيام.
مقتنعون أن ثقة القراء رأس مال لا ينبغي التفريط فيه، وأن الحقيقة تخدم الجميع، وأن واجب الصحافة هو نشر الحقائق لا التستر عليها، وأن العملة الأصلية تنفي العملة المزورة، وأن الخبر يقضي على الشائعة.