دعا زعيم حزب التكتل المعارض جميع الموريتانيين إلى تضافر الجهود والعمل معا لبناء موريتانيا معتبرا اللحظة فارقة في تاريخ البلد داعيا إلى الصح مردفا أنه لا مصلحة شخصية له في ذلك جاء ذلك في تصريح له على هامش ندوة دعا لها حزبه في مقره وأصدر بعدها هذه الوثيقة:
وفيما يلي نص الوثيقة:
الأزمة الراهنة، التشخيص والعلاج
1. التكتل: رؤية ثاقبة ورصيد متراكم من النضال
تأسس حزبنا أولا تحت تسمية "اتحاد القوى الديمقراطية" في ظرف سياسي خطير، حيث لم تخرج بعد بلادنا من مخلفات الزلزال الشديد الذي ارتجت به خلال أكثر من خمس سنوات امتدت مابين 1986-1991 ، وذلك في ظرف عرفت فيه شبه المنطقة الإفريقية المجاورة حروبا أهلية ونزاعات دموية.
وعلى الصعيد الدولي، أعلن حينها الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتراه، في مؤتمر لابول الشهير، "أن التعاون الفرنسي مع كافة الدول الافريقية مرهون بالانفتاح الديمقراطي" إيذانا بعهد جديد، إضافة إلى الضغوط الداخلية الشديدة المطالبة بالديمقراطية مادفع اللجنة العسكرية للخلاص الوطني إلى تقمصها القناع الديمقراطي، فأعدت دستورا جديدا جاء على أنقاض ماكانت تسميه الميثاق الدستوري،فجاء النص الجديد مقرا بالتعددية السياسية والحزبية مكرسا وضامنا لكافة الحقوق والحريات الديمقراطية، متشبثا بدولة القانون والمؤسسات.
وفي تلك الأثناء قررت نخبة من الموريتانيين انضوت أصلا في حساسيات وحركات سياسية من مشارب مختلفة – تيارات يسارية ، قومية وليبرالية – تأسيس حزب سياسي جماهيري، وطني، ديمقراطي و جامع ولما ترشح الرئيس أحمد داداه أعلن هذا الحزب مساندته له.
وبعد الانتخابات التحقت بالحزب جماعات عريضة و شخصيات وازنة كانت قد ساندت ترشح السيد أحمد ولد داداه ولم تكن منخرطة في الحزب أصلا. وكان الكل مجمعا إلى أن وصول الرئيس أحمد داداه إلى السلطة يمثل بداية عهد جديد، عهد بناء دولة ديمقراطية تسع الجميع وتجمع بين الأصالة و الحداثة، كما رأت فيه قائدا قادرا أن يجمع أكبر عدد من الموريتانيين وأن يترجم في عمله السياسي، على رأس الدولة، توجهاتهم وآرائهم ومايحدوهم من آمال ويسكنهم من انشغال بالوحدة الوطنية المتصدعة كل التصدع.
وبوضوح رؤيته وتنوع تشكيلاته ومصداقية قيادته، شكل هذا الحزب خطا سياسيا فيصلا مع ما تنتهجه السلطة القائمة من ممارسات تتنافى والديمقراطية والحكامة الرشيدة، سلطة تحولت من حكم عسكري معلن إلى حكم عسكري تحت قناع الديمقراطية .
وقد سجل الحزب أياما من النضال ومسيرة من التضحيات ستبقى محفورة في ذاكرة الشعب الموريتاني بأسره، وواجه انواع القمع بدء بما حصل إبان احتجاجه على تزوير الانتخابات الرئاسية 1992 الفاضح من خلال المظاهرات والمسيرات التي نظمها في نواكشوط ونواذيبو، حيث استشهد أربعة مناضلين بالرصاص الحي، وسجلت اصابات بالغة في صفوف المُتظاهرين.
وقد ظل الحزب على هذا الدرب، درعا قويا يقف أمام الاستبداد والظلم وسوء الحكامة، وسنعرض فيما يلي الخطوط العامة لأهداف الحزب ورؤاه قبل أن نقوم بتشخيص للوضعية السياسية الراهنة لنخلص إلى ما نراه هو السبيل للخروج من الأزمة المتعددة الأوجه التي يتخبط فيها.
أهداف الحزب ورؤاه
لقد تبنى الحزب في إعلانه السياسي التوجهات والأهداف التالية:
المستوى المؤسسي والديمقراطي
تبنى الحزب المثل الديمقراطية نهجا وجعل تحقيق الأهداف والقيم التالية مرتكزات له:
* إصلاح المنظومة الانتخابية حتى يتنمكن المواطن من اختيار من يسوس أمره بحرية تامة؛
* بناء مؤسسات دستورية ذات مصداقية
* بناء قضاء مستقل،
* بناء إدارة فعالة ومحايدة؛
* بناء مدرسة وجيش جمهوريين،
* مساواة المواطنين أمام الخدمات والمرافق العمومية؛
تسوية الإرث الإنساني
لقد اقتنع حزبنا بضرورة تصفية هذا الملف المؤلم، جاعلا منها أولى الأولويات الوطنية، واضطلع بدور ريادي من أجل حل هذا المعضل حلا عادلا ومنصفا، داعيا إلى إجراء تحقيق موضوعي يفضي إلى رأب الصدع بين الموريتانيين ويراعي حقوق الضحايا حتى تتصالح موريتانيا مع ذاتها وتطوى هذه الفترة الأليمة التي مازلنا إلى حد اليوم نعاني من آثارها.
الاسترقاق
ينظر التكتل للعبودية على أنها مظلمة تاريخية مقيتة، تعرضت لها فئات من المجتمع من كل المكونات الوطنية، يجب معالجتها في إطار وطني من أجل تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية للمساهمة الفعالة في بناء وطن يتمتع فيه الجميع بحقوقه.
ويجدر التذكير بأن الحزب هو أول من قام بصياغة برنامج عملي متعدد الأبعاد، اقتصادي اجتماعي، سياسي يهدف الى استئصال الرق ومخلفاته في مجتمعنا.
الانشغال بحياة المواطنين اليومية والمطالبة الدؤوبة بالتحسين من أوضاعهم
ظل الاهتمام بحياة المواطن أولوية قصوى لدى الحزب، وذلك لكونه هو الهدف والوسيلة لبناء مجتمع مدني يجمع بين الحداثة والأصالة، يحظى فيه الفرد بحقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فلم يفتأ التكتل يُناضل، طيلة مسيرته السياسية، ضد غلاء الأسعار وإهمال النظام لحياة المواطنين الذين يتهددهم الجوع والعطش، وغياب الخدمات العامة، وضعف الأمن وتدني خدمات التعليم والصحة.
من أجل ترسيخ هذه القيم والعمل على اجماع الطبقة السياسية حولها، ورغم عمليات التزوير المتكررة وتوظيف النظام لسلطان الدولة لأغراضه الذاتية، ظل الحزب يشغل كل فضاء ديمقراطي متاح، ولم يفتأ يفضح ممارسات النظام وعبثه بموارد الدولة وعدم عنايته بما يعانيه المواطن يوميا من بؤس وترد في أحواله المعيشية.
ولا غرو، والحالة هذه، أن يلجأ النظام إلى حل الحزب مُتذرعا بمظاهرة حاشدة كان الحزب يعتزم تنظيمها احتجاجا على إقامة النظام لعلاقات مع الكيان الصهيوني سنة 2000.
ولن يسعنا في هذا المقام إلا أن نذكر ببعض من الأسباب التي أدت إلى حل حزب اتحاد القوى الديمقراطية – عهد جديد:
* كونه أول حزب معارض تصدى بكل قوة لسياسات النظام التخريبية مما أدى إلى التفاف غالبية الشعب الموريتاني من كل المكونات حوله وتبنيهم لخطابه السياسي الجامع والضامن لوحدة البلد وأمنه واستقراره من أجل إقامة مجتمع العدل والانصاف، فكان في حله ضربة لكل المعارضة بشتى أطيافها.
* الحضور المركزي لفكرة الدولة في الخطاب السياسي للحزب ودعوته المتكررة لتطبيق المثل الجمهورية.
* موقفه المبدئي من الجيش ومطالبته بضرورة أن يكون جيشا جمهوريا وطنيا، يبتعد عن الصراعات السياسية وتنصهر جهوده في خدمة رسالته النبيلة حفاظا على الحوزة الترابية وبكلمة واحدة رفض الحزب أن تظل الديمقراطية مجرد قناع يضعه النظام على وجهه أو إكليلا براقا يرتديه دون أن يكون للنهج الديمقراطي أثرا في الواقع اليومي،
* المكانة التي اكتسبها الحزب على المنابر الدولية، حيث أصبح آلية قوية ترفع مظلمة الشعب الموريتاني في المنتديات الدولية.
وباقتصار، كانت الأهداف التي يتوخاها النظام من حل الحزب تنحصر، من حيث الأساس، في نقطتين:
* إنهاء مسيرته النضالية التي أصبحت تهدد النظام بالزوال؛
* تغييب قيادات الحزب وعلى رأسهم الرئيس أحمد داداه عن المشهد السياسي.
رفض الحل وانتزاع ترخيص حزب تكتل القوى الديمقراطية
لقد تصدى مناضلو الحزب لهذا القرار الجائر وذلك عبر تنظيم نضالات ميدانية وإعلامية وقضائية وطنيا ودوليا (اللجنة الافريقية لحقوق الانسان)، استمرت عدة أشهر رفضا للحل الجائر للحزب، وبعد أن اقتنعت السلطة الحاكمة بفشل مخططها، تقدم بعض الأطر ممن كانوا في قيادة حزب اتحاد القوى الديمقراطية/ عهد جديد بطلب يرمي إلى ترخيص لحزب سموه تكتل القوى الديمقراطية، وبعد سلسلة مواجهات عنيفة تمكن المناضلون من اقتحام مبنى وزارة الداخلية، حيث نظموا اعتصاما مفتوحا داخل مقرها افضى إلى مفاوضات ساخنة انتهت بقبول السلطة الحاكمة الترخيص للحزب، وكان ذلك بتاريخ 11 يوليو 2001.
وحريا بنا أن ننبه إلى أنه كلما اتصفت الانتخابات بشفافية نسبية كان في المقابل حضور الحزب متميزا سواء على مستوى الانتخابات البلدية والتشريعية أو الرئاسية (2006/2007 مثلا، حيث تبوء الحزب رئاسة مؤسسة المعارضة آنذاك).
ولا شك أن الحزب لم يتوصل إلى دفة الحكم نظرا للعراقيل المتعددة التي ظلت الانظمة المستبدة تضعها أمامه، حيث سخرت الدولة ما لديها من سلطان وقوة وموارد في وجهه. وعلى الرغم من هذه التحديات الجمة تمكن الحزب من انجاز لا يقدر حجمه ألا وهو ترسيخ قيم الديمقراطية ومثلها وتبني الوحدة الوطنية والمساواة ورفض العبث بالانتخابات وبمؤسسات الدولة حتى تبنت اليوم جل الطبقة السياسية خطابه وقلما يوجد حزب أو تنظيم إلا وهو يتشبث بمضمون هذا الخطاب.
2. التحديات الخطيرة الراهنة
صبيحة خروج محمد ولد عبد العزيز من السلطة ها هي التحديات الكبرى التي تواجهها بلادنا:
* وحدة وطنية في تشرذم يوما بعد يوم،
* ازدياد القطيعة الشديدة والتنافر بين مكونات الشعب وحتى داخل كل مكونة على حدة، وبروز الدعوات العلنية والمتكررة للحرب الاهلية، وعمل النظام سياسيا وإعلاميا على إذكاء النعرات الضيقة، الفئوية والقبيلة والجهوية.
* أزمة سياسية خانقة تتمثل في:
* التلاعب بدستور البلد وبرموزه؛
* سلب مؤسسات الدولة من مصداقيتها؛
* الازدراء بالأحزاب وبقياداتها وعدم مراعاة الدور الدستوري المنوط بها؛
* أزمة اجتماعية واقتصادية متجذرة.
حتى يتمكن من النهب الممنهج لمقدرات الدولة ومواردها، عمل النظام على افراغ حسابات الدولة لدى البنك المركزي والخزينة العامة والمؤسسة الوطنية للإحصاء من كل مصداقية، ولم يبقى للوقوف على حقيقة البلد إلا الرجوع إلى ما تحتويه التقارير الأجنبية وإلى ما هو باد للعيان، كما يلي:
* ارتقاع المديونية لأكثر من 100% من الناتج الداخلي الخام؛
* انهيار النظام المصرفي؛
* العمل على تفليس المؤسسات العمومية للتغطية على عمليات النهب التي تتعرض لها؛
* غياب تام للشفافية في الصفقات العمومية التي تمنح على أساس المحاباة
* الصفقات المشبوهة طويلة الأمد في كل المجالات؛
* احتكار الثروة والمكاسب لصالح مجموعة ضيقة؛
* الوضعية المزرية للتعليم؛
* الوضعية الكارثية التي يعيشها القطاع الصحي عبر ضعف الخدمات وغلائها؛
* التحديات الأمنية: إن ما تعرفه المدن والأرياف الموريتانية من انفلات أمني وخاصة العاصمة نواكشوط يكشف فشل ما يتباهى به النظام من مقاربات أمنية دون بناء جهاز أمني قادر على التصدي لهذا الانفلات الأمني الخطير، ونطام قضائي عادل ومستقل، ودون التفات الى الرفع من أوضاع الشباب الجانح لصرفه عن ارتكاب الجريمة.
ولا شك أن العلاقات المتوترة التي ما فتئت تطبع علاقات النظام مع كافة الدول المجاورة تشكل، هي الأخرى، عاملا من عوامل عدم ضبط الحدود، مما يُساهم في انتشار الجريمة المنظمة.
3. كيف السبيل للخروج من هذه الأزمة؟
خلق مناخ عام للتصالح الوطني
إن الخروج من هذه الأزمة يستوجب القطيعة التامة مع نهج العشرية الكارثية والعمل، فورا، على الاصلاحات التالية:
* تبني القيم والممارسات الديمقراطية الحقة: فصل السلطات، استقلال القضاء، ابعاد الجيش عن العمل السياسي، إصلاح المنظومة الانتخابية،
* وضع حد للتسيير الفردي للدولة وتبنّي الحكامة الرشيدة مع التركيز، بصفة خاصة، على التوزيع العادل للثروة الوطنية، والمساواة بين المواطنين أمام المرافق والخدمات العمومية والولوج إلى الوظائف الإدارية؛
* الرجوع إلى ثوابت البلد التاريخيية: العلم والنشيد الوطنين اللذين تمّ العبث بهما؛
* احترام دور الأحزاب وحقوقها المكرسة في الدستور؛
* الوقوف على:
* حالة حسابات الدولة، والقيام بتدقيق مالي لأوضاعها في الخزينة العامة والبنك المركزي وشركة اسنيم؛
* ظروف تفليس شركات الدولة، كسونمكس وغيرها؛
* الصفقات المشبوهة في قطاع الصيد وفي البنى التحتية؛
* وضع حد فوري للمتابعات القضائية الممارسة في حق الشيوخ والنقابين والصحفيين ورجال الأعمال.
ولا شك أن تحقيق هذه الأهداف يستوجب تشاورا وطنيا جادا بين الفرقاء السياسيين، يفضي إلى العمل على النهوض بالبلاد من الوضع المأساوي الذي تتخبط فيه.
نواكشوط، 25 ذي القعدة 1440 – 28 يوليو 2019