ما أن تجلس إلى نفسك، فتفكر ملياً فيما تريد أن تكتبه للقراء حول أي ظاهرة أو قضية ثقافية، حتى تكتشف ذلك الفراغ الهائل في المنطقة، بما يعمل على تعطيل العقل. حيث صار الانشغال بالعمل الثقافي محض ترف ليس إلا. وإن كتابة هذا المقال محض جنون. فلماذا يفكر الكاتب بالحديث عن الجديد في ظل حالة البلادة الفكرية الأدبية والفنية؟ وهل المجتمع مستعد لأن يضحي بوقته الثمين من أجل قراءة أي موضوع يتحدث عن عمل أدبي أو مسرحي أو سينمائي..إلخ؟ والوقت من ذهب، والمواطن بحاجة للذهب أو الفضة أو المال أو حتى لقيمات يقمن صلبه وصلب أبناؤه.
إن البحث المضني في مواقع التواصل الاجتماعي والصحف يؤكد ما خلص إليه هذا المقال من أجل جمهور القراء والكتاب أنفسهم لم يعد لديهم ميل بالتوجه نحو الكتابة في ظل حالة الفقر والقتل التي أخذت إنسانيتنا بعيداً وراء الغيم. فصار سبيل العيش هو الهدف والغاية الأسمى. حتى صناع القرار الذين أتخمتهم السمنة، لا يفكرون إلا بما يعمل على تثبيت أقدامهم على الأرض، لذلك فإن أي عمل يجب أن يمتدح هذا الرئيس أو ذاك الوزير كي تنتعش الحالة الثقافية المؤقتة والممولة من أجل العودة إلى مربع اللقيمات التي لا تفي بإنعاش العقل أو القلب.
أن تكتب مقالاً أو تصنع على عينيك تقريراً، فإنه يلزمك الكثير كي تجبله بصلصال الحياة، لكن أنى لذلك أن يحدث وهناك حالة موات. حيث أنه لا استكتاب لهؤلاء. لأن الثقافة حالة ترف لا حاجة لها. في حين أنك تجد الكثير من وسائل الإعلام والصحف تتهافت على كاتب أو محلل سياسي، ربما لا يعرف العربية أو طرائقها، ولا يجيد التحليل ذاته، اللهم إلا أنه يغني ويطبل لهذا الفريق أو ذاك. مما ينذر بدمار الحالة الثقافة إن لم تكن قد دُمرت بفعل الثورات والثورات المضادة والحروب الأهلية والمناوشات والقتل الذي يجري في كافة الأصقاع العربية.
كيف تكتب مقالاً، وقد وصل بك الجوع حد الزقزقة؟ كيف تكتب وأن تموت في الطرقات كما جرى مع السوداني الذي توفي في شوارع القاهرة قبل أعوام؟ كيف تكتب وقد خط الدم حكاية تنهي كل الأبجدية على جدران السجون في سوريا والعراق؟ أي لعنة اسمها ثقافة في مجتمع لا يعرف غير ثقافة القتل والتدمير، التي تهدم كل منظومة القيم والإنسانية التي هي صميم الحالة الأدبية والفنية والثقافية بشكلها العام.
إن مجرد التكفير بالكتابة هو محض جنون حقاً، وإن الكتابة في مواضيع تخص الشأن الثقافي ستكون خزعبلات في واقع غلب عليه السيف والدم.