يتخذ الابتزاز أشكالا وأنواعا ,لكن هدفه في النهاية واحد ,وهو محاولة إخضاع الغير لرغبات المبتَز من أجل التحكم في عقول وتفكير ضحايا الابتزاز والسيطرة عليهم ,وتخويفهم عن طريق تلك الممارسات الحقيرة التي لا يلجأ إليها إلا مَن عدم السلاح وضعُفت حيلته ,ولم يستطع المواجهة بالفكر والعقل والحجج الدامغة ,ولو كان الابتزاز في بلادنا بهدف مصلحة معطلة أو بغرض جلب منفعة أو درء مفسدة ,أو كان ابتزازا يمارسه الأقوى على الاضعف بهدف السيطرة عليه والاستحواذ على مقدراته ,كما جرت بذلك العادة ,لَكنا التمسنا الاعذار للمبتزين ,رغم أنه ابتزاز مؤسف ومن نوع آخر ,ابتزاز فاز ببراءة اختراعه بعض الموريتانيين دون سواهم. ويعدّ الابتزاز أقوى أسلحة الحرب "الناعمة" او الحرب الباردة التي لا تُطلق فيها رصاصة على الخصم ,لكن الخصم يقع فيه تحت التأثير المغناطيسي للابتزاز إن لم يمتلك أدوات القوة المضادة والتحصين النفسي الذي يستمد فاعليته من الثقة بالنفس والايمان بالله. أردتُ من هذه المقدمة توطئةً لنقد ظاهرةٍ مشينة ,دأبَ عليها العديد من أنصاف المثقفين وبعض المدونين في وسائل التواصل الاجتماعي خلال السنوات الاخيرة مع الاسف ,وهي انتقادهم الدائم لطريقة تعيين أي شخص في منصب من مناصب الدولة ,والسبب ـ حسب زعمهم ـ أنه قريب للرئيس فلان أو الوزير علّان أو تربطه علاقة ما مع أي مسؤول ,وأن ذلك التعيين ما كان لِيتمّ لولا تلك القرابة القبَليَّة أو الجهويّة ,مستبعدين في نفس الوقت أن يكون التعيين نتيجة للكفاءة أوالتميز في الأداء ,أو التفاني في تقديم خدمات للوطن والمواطنين. هذا الانتقاد هو نوع من ممارسة الابتزاز على المسؤولين في الدولة وعلى الاشخاص المستَهدفين أنفسهم ,وكأن أيّ شخص يتم تعيينه في نظرهم لا بد أن يكون "مقطوعا من شجرة" كما يقال ,حتى يستحق ذلك المنصب. وهنا لا بد من كلمة أهمس بها في آذان كل مَن يمارس هذا النوع من الرقابة السلبية المغلفة بالغل والحسد وكل أمراض النفوس ,لأقول لهم بأننا جميعا منحدرين من قبائل موريتانية معروفة ,وكما قال جل من قائل : (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) وأننا جميعا متساوون في الحقوق والواجبات والمواطنة ,وأن محاولة الترهيب الفكري والابتزاز النفعي هي سلوك شائن ومنطق سيء ,فالأمراض والمشكلات في بلدنا كثيرة ,فلْنبحث لها عن علاج وحلول ولْنسأل الله من خزائنه أن يؤتينا من فضله وواسع كرمه ,ولْنعمل جميعا من أجل تقدم موريتانيا وازدهارها ونترك المخلوقين للخالق. (أم يحسدون الناسَ على ما آتاهم الله من فضله) صدق الله العظيم. ولَئن كنتُ قد وجهت ُ نصائح "همسية" لهؤلاء ,فإنني أقول وبصوت مرتفع يتردد صداه في كل مكان ,إنني ـ وكما ذكرت في تدوينة نشرتها امس ـ ضد تشكيل الحكومات وتعيين المسؤولين على أساس قبلي أو جهوي ,وأننا يجب أن نخرج عن تلك التقاليد التي أضرت كثيرا ببلادنا ,وانعكست سلبا على الاداء والانتاج ,وطالبتُ الرئيس المنتخب فيها بضرورة تشكيل حكومة كفاءات ,ولو من "أهل لخله" وما زلتُ مقتنعة برأيي حِيال ما كتبت. أما ما ورد في تدوينتي هذه فليس بينه وبين التدوينة السابقة أي تناقض ,وإنما هو مجرد نبذٍ واستنكار لعمليات الابتزاز التي يقوم بها البعض بهدف التشويش والتشكيك بل والتخوين أحيانا ,ومحاولةِ ربط كل شيء سيء بالقبيلة.