حقبة من التاريخ الموريتاني طويت، بأفكارها و مشاريعها و قادتها، و هي الحقبة التي نستطيع أن نطلق عليها "فترة الميلاد العسير للتجربة الديمقراطية"، و التي تمتد من تاريخ إقرار دستور 20 يوليو 1991، إلى فجر 23 يونيو 2019. كانت فيها البلاد حقل تجربة صعبة و علقمية المذاق أحيانا. عرفنا فيها أزمات خانقة انتهت بانقلابات بعضها كان للأسف دمويا. و رغم هذا الجانب المظلم من التجربة فقد حققنا مكتسبات منها الانتخابات المتكررة تشريعيا و محليا، منها حرية التعبير، منها القدرة على مقاومة الانقلابات و التصدي لها مدنيا (تجربة 2008)، منها و هو أهم مكسب و منجز القدرة على حماية الدستور في مواده المحصنة و إفساح المجال أمام انتقال سلمي للسلطة. اليوم علينا أن ندرك أن الحقبة التي نستقبلها اليوم لها اكراهاتها و أولها وقوفنا مع ذواتنا في نقد ذاتي و تقييم المرحلة الماضية على أسس موضوعية تفيدنا في هذا المكسب و تجعله أساسا لبناء جديد يرى الواقع كما هو و يستشرف المستقبل على أسس المواطنة و دولة الحق و القانون. و أعتقد أن الرسائل التي بعثها الشعب الموريتاني عبر صندوق بريده الانتخابي واضحة جلية. علينا ان نفهم أن المقاربات التي كانت تحكمنا و الأفكار التي كنّا نجترها لم تعد من عالم هذا اليوم. علينا أن نفهم أن مجتمعنا يعيش مخاضا عسيرا، و يرنو و يحث الخطى لعالم آخر، عالم الدولة المدنية و مؤسسيتها، عالم دولة المواطنة و المساواة و العدل و الحق و القانون. علينا أن نساعد أنفسنا في أن نتجاوز بتجربتنا الوليده إلى غد أفضل، و بأقل الضرر و الاحتقان. علينا أن نكون على قدر المسؤلية التاريخية التي تستدعينا اليوم، و نبدأ مرحلة الفطام عن أنانياتنا الضيقه، شخصية، قبيلة، جهوية، فئوية، و ننظر لمستقبل يجمعنا في وطن و دولة تحترم القانون و تحترم الإنسان و تنشد العدالة و الانصاف لكل مواطنيها و تشجع العقل و الإبداع و الإنتاج و الثقافة و الفن. بالمختصر المفيد اوحلونا في المهم و ساندوا رئيسكم المنتخب و من سيتولى معه الشأن في العبور معكم و بكم إلى بر الأمان، و اعطوه الفرصة ليطبق ما تعهد به لكم جميعا. أخيرا على الجميع أن يدرك أن موريتانيا بعد 22 يونيو 2019 لن تكون كما كانت.