لم يكن يخطر على بال الموريتانيين وهم يتجهون نحو الشواطئ بحثا عن "المال والعمل" أنهم سيكونون سببا في التلوث البيئي الحاصل على المنطقة الساحلية للبلد، وذلك عبر تشكيل مستعمرات يغيب الوعي فيها بأهمية مكان العيش الجديد.
والحياة بطبعها لا تتجزأ، فهناك حياة في الصحراء، وعلى السهول، وفي البراري، هناك أيضا حياة في البحر يعتمد عليها الكوكب برمته، لذا كان لزاما على من يبحثون عن حياة جديدة الإحاطة بأن حياة أخرى تنبض على الشاطئ، وانه يجب قبل أي شيء احترامها والحفاظ عليها.
وبما أننا في بلد تضبطه قوانين، فإنه يجب على المعنيين وخاصة السلطات المختصة، حماية الساحل من التلوث البيئي الذي يعتبر الإنسان أول أسبابه، كما أنه من المفروض على السلطة أن لا تكون جزء من العملية التي تؤدي إلى انتشار التلوث في المناطق الأكثر اجتذابا للسكان.
معظم الدراسات أكدت أنه مابين 2030-2040 سيكون أكثر من ثلثي الشعب الموريتاني متواجدون على السواحل بفعل الطفرة الاقتصادية والبترولية التي تشهدها البلاد أي أن الحياة سترتكز على البحر، وسيكون البحر أكثر عرضة من ذي قبل للتلوث وستتعرض الكثير من الأحياء البحرية وخاصة منها التي على الشاطئ لمخاطر جمة سيكون لها أثر سلبي بالطبع على الحياة في تلك المناطق الممتدة بين خليج النجمة شمالا في داخلت نواذيبو وحتى منطقة انجياكو جنوبا في منطقة اترارزه، حيث يصل طول الساحل إلى أزيد من 750 كلم تعيش بها أنواع مختلفة من الأحياء البحرية والطيور النادرة.
وضعت الدولة الموريتانية خطط عمل من أجل البيئة من أهمها خطة العمل الثانية 2012-2016 حيث أدرجت فيها مناطق بحرية يجب الحفاظ عليها وتسيير البيئة فيها كمنطقة خليج آركين الذي تبلغ مساحته 12000 كلم مربع من بينها 5400 كلم مربع بحرية، والتي صنفتها اليونسكو ضمن التراث العالمي للبشرية نظرا لما تضمه من تنوع حيوي ذا أهمية خاصة على مستوى المعمورة، وبالتالي باتت الحظيرة الوطنية لحوض آركين منذ إنشائها 1976 منطقة محظورة وتجب حمايتها.
إلا أن تلك الحماية اصطدمت بواقع التلوث الحاصل، وخاصة في منطقة الشامي التي تشهد حركة غير معتادة بفعل الاستخدام المفرط لمواد استخراج الذهب كالزئبق الذي بات يهدد الحياة في تلك المنطقة، وهو ما لم تضع له السلطات حدا على الأمدين القريب والبعيد.
كما أن منطقة خليج النجمة التي تعتبر من المناطق المعشبة التي تسمح بتواجد الكثير من الأحياء والتوازن البيئي مهددة هي الأخرى بوجود شركات صيد ومعالجة الأسماك التي لا تولي أهمية كبرى للبيئة كشركات دقيق السمك المعروفة محلية بشركات "موكا" والتي يشتكي منها السكان نظرا لخطورة وجودها في هذه المناطق.
إضافة إلى ذلك فإن وجود حقل السلحفاة في منطقة انجياكو والذي سيبدأ استغلاله في العام 2021 سيكون له الأثر السلبي على البيئة مالم تتخذ تدابير صارمة للحفاظ على الحياة البحرية التي ستكون مهددة أكثر من أي وقت مضى بفعل النشاط المكثف لاستخراج الغاز والمواد البترولية والتي ستؤدي لا محالة إلى قتل العديد من الكائنات البحرية.
نشطاء بيئيون كثر دقوا ناقوس الخطر مطالبين بحماية المناطق الساحلية من التلوث وطالب الناشط سيد محمد ولد محمد الشيخ بالحفاظ على البيئة الساحلية الموريتانية معتبرا أن الفوضى التي تشهدها قد تؤدي إلى قتل الحيوانات البحرية وخاصة تلك التي تعمل على التوازن البيئي كالحيتان والدلافين والقروش وغيرها.
واعتبر سيد محمد أن وجود مواد استخراج المعادن في منطقة الشامي قد يؤثر على الحياة البحرية إلى ماحدث تسرب جوفي لمواد زئبقي سامة إلى البحر حيث سينتشر التسمم على الشواطئ وخاصة منطقة حوض آركين.
كما لم يخفي صيادون تخوفهم على مستقبل مهنتهم من التلوث الناتج عن رمي النفايات في البحر وتفريغ السفن للزيوت والأسماك المتعفنة في البحر وكذلك لامبالاة شركات الصيد في الحفاظ على البيئة البحرية، وهو ما سيؤدي إلى هجرانهم لمهنتهم التي أعالوا بها أسرهم ولم يعرفوا غيرها.
كل هذه المعطيات تؤكد ان هناك استهدافا للبيئة الساحلية في موريتانيا لم يحسه المواطن القادم من العمق، كما لم تتخذ السلطات المعنية تدابير خاصة من خلال إصدار قوانين صارمة للمحافظة على منطقة يتعزز حضورها يوما بعد يوم كشريان حياة لوطن بأكمله.
أحمد ولد كركوب
صحفي - نواذيبو