الحديث عن الشيخ محمد الأمين ولد الحسن ليس حديثا عن فقيه تقليدي يعرف المتون ويتقن شروحها فحسب ، وليس حديثا عن إمام يعرف كيف يصلي بالناس ويجد المصلون في صلاته الأمن والطمأنينة فحسب ، وليس حديثا عن داعية يهز المنابر ويوصل مايريد بوضوح وقوة فحسب ، وليس حديثا عن قائم على تدريس الناس القرآن وتحبيبه إلى قلوبهم فحسب ،وليس حديثا عن خادم للناس يسعى في مصالحهم ويكفل الغريب الضعيف فحسب ... بل الحديث عنه هو حديث عن كل هؤلاء .
كنا في شباب الصحوة الإسلامية في الثمانينات نسمع عن مدرسة العون ونعرف جامع القرآن الكريم ( الشرفاء ) فقد كانا عنوانين بارزين من عناوين الصحوة الإسلامية المباركة.
لم يكن الشيخ محمد الأمين ولد الحسن من الحركة الإسلامية بالمعنى الحركي ولكنه كان يحبها ويدعمها وينصرها ، حينما تقرر مع بداية العهد الديمقراطي ( مفتتح التسعينات ) إنشاء جبهة إسلامية واسعة تضم ستة مكونات : الائمة والعلماء ، الطرق الصوفية ، رجال الأعمال ، الأطر ، النساء ، الشباب وكانت اجتماعاتنا تنعقد في معهد ابن عباس وبعد أن تقدمنا في التحضير تدخلت السلطة وضغطت لتتوقف الاجتماعات فالمشروع غير مقبول ودعونا لاجتماع - كان هو الأخير - لم يحضر إلا الممثلون المحسوبون على الحركة والشيخ محمد الأمين ولد الحسن فنظر رحمه الله في الحضور وعلق بدعابة شجاعة " اللا نحن أهل عدي "
حرصنا في اللجنة العامة أن تكون عندنا أغلبية ضامنة وهكذا كان منا ممثلو الأطر والشباب والنساء ( أي النصف ) ولنا حضور في ممثلي الائمة وعند اجتماع اللجنة فاجأنا موقف الشيخ محمد الأمين ولد الحسن أنه لا يحب الاجتماع بالنساء فدخلنا معه رحمه الله في مفاوضات انتهت بأن يشارك النساء في الاجتماع على أن يجلسن خلفه ، وهكذا جمعنا بين رغبته ومشاركتهن.
بعد توقف مشروع الجبهة الإسلامية ودخول قيادات إسلامية وازنة إلى الحزب الجمهوري أعلن عن مبادرة حزب الأمة وكان المنطلق مدرسة العون وكان الراعي الشيخ محمد الأمين ولد الحسن الذي أصبح رئيس اللجنة العليا للحزب ، أتذكر فيما أتذكر اثناء نقاش حضره الشيخ أنني تحدثت بحماس ونظرت إلى الشيخ مقطب الجبين فقال لي : " آن الرجاله ما يعكد في نواصيهم " ، كان رحمه الله يحب الشباب وينصحهم ويواكبهم وربما أخذ عليهم بعض العجلة والتسرع.
لا يختلف اثنان في مبدئية الشيخ محمد الأمين ولد الحسن ولا في شجاعته ولا في جرأته في قول الحق.
يحب الصادقين وهو منهم ، ويكره اللف والدوران وسفاسف الأمور .
كان مرجعية في الظروف الصعبة ، إذا أحسسنا بانكشاف الغطاء بادرنا إلى الشيخ محمد الأمين فكان نعم الأب الحنون ، إذا احتجنا تزكية لفتوى أو لمعتقل مظلوم وجدنا عنده الاستعداد ( رغم بعض تجال المعني في حالة أو اثنتين )
كانت خطب الشيخ محمد الأمين مقصد الكثيرين ففيها يجدون القوة حين يضعف الآخرون والوضوح حين يفضل الآخرون الغموض والنصرة حين يخاف الآخرون.
الشيخ محمد الأمين زكاه الإمام بداه وأجازه فيما يعلم - ونعم الإجازة تلك ونعم العلم ذاك - واختاره مفضلا قائلا : " لم يتبعني تلميذ في الصدع بالحق و الدعوة كما اتبعني محمد الأمين ولد الحسن "
رحم الله الشيخ العالم الصادع بالحق محمد الأمين ولد الحسن فقد فقدت موريتانيا والمحظرة والدعوة بوفاته ركنا كبيرا وركيزة أساسية ، رحمه الله رحمة واسعة وأدخله فسيح جناته مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين.