ألقى الشاعر الموريتاني المعروف محمد الحافظ ولد أحمدو مساء أمس (الخميس) محاضرة عن القصة في الشعر العربي، وذلك في قاعدة النشاطات ببيت الشعر - نواكشوط، وسط حضور لافت للنخبة الأدبية الثقافية في البلاد.
وقد استهل موضوع محاضرته بأهمية القصص في التراث العربي، وتوزع هذا القصص على قوالب عدة، بينها الأمثال، حيث إن كل مثل قصة مختصرة تم وضعها في كلمات قليلة ليسهل حفظها.
وأكد أن الكم الكبير من القصص الوارد في الشعري العربي يؤكد أن هذا الشعر تضمن تجارب قصصية تستحق الدراسة والتحليل.
وقال ولد أحمدو إن ورود حوالي خمسة وعشرين لفظة من ألفاظ القصص في القرآن الكريم يدل على أن العرب كانوا من أهل القصص وإلا لما خاطبهم القرآن الكريم بالقصص، مستشهدا بآيات الذكر الحكيم التي وردت فيها عبارات القصص، كقوله تعلى {نحن نقص عليك أحسن القصص}. الآية، وقوله جل وعلا { ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك}. الآية.
وأورد ولد أحمدو نماذج من القصص في الشعر الجاهلي مستدلا بما ورد في قصيدة للنابغة الذبياني، ونماذج من القصص عند تأبط شرا، وامرئ القيس، والحطيئة، مشيرا إلى أن هذا القصص الشعري تضمن تجارب إنسانية، ووصفا دقيقا لشخوص القصة وأحداثها وبيئتها، والعبرة منها، إلى جانب عناصر عديدة لإثراء البناء القصصي من أساطير ووصف دقيق للحيوانات والغيلان والصحراء وأنماط التقاليد والسلوك الاجتماعي عند القبائل العربية.
وقدم ولد أحمدو تحليلا لنماذج من القصة في الشعر العربي خلال صدر الإسلام، واستدل بالبعد القصصي الذي قدمه الشاعر عمر ابن أبي ربيعة في قصيدة "أَمِنْ آلِ نُعْمِ أَنْتَ غَادٍ فَمُبْكِرُ"، التي يقول فيها:
وأخرى أنتَ من دونِ نعمٍ، ومثلها
نَهَى ذا النُّهَى لَوْ تَرْعَوي أَوْ تُفَكِّرُ
إذا زُرْتُ نُعْماً لَمْ يَزَلْ ذُو قَرَابَة
لها، كلما لاقيتهُ، يتنمرُ
عَزيزٌ عَلَيْهِ أَنْ أُلِمَّ بِبَيْتِهَا
يسرُّ لي الشحناءَ، والبغضُ مظهر
أَلِكْنِي إليْها بالسَّلامِ فإنَّهُ
يشهرُ إلمامي بها وينكرُ
بِآيَة ِ ما قَالَتْ غَداة َ لَقِيْتُها
بِمَدْفَعِ أَكْنَانٍ: "أَهذا المُشَهَّرُ؟"
أشارتْ بمدارها، وقالت لأختها:
"أهذا المغيريُّ الذي كان يذكر؟"
"أهذا الذي اطربتِ عتاً، فلم أكن،
وعيشكِ، أنساهُ إلى يومَ أقبر"
فقالت: "نعمْ، لا شكّ غير لونهُ
سُرَى اللَّيْلِ يُحْيي نَصَّهُ والتَّهَجُّرُ"
"لئنْ كان إياهُ، لقد حالَ بعدنا
عن العهدِ، والإنسانُ قد يتغير"
رأتْ رجلاً أما إذا الشمسُ عارضتْ
فَيَضْحَى وأَمَّا بالعَشيِّ فَيَخصرُ
أخا سفرٍ جوابَ أرضٍ تقاذفتْ
بِهِ فَلَوَاتٌ فَهْوَ أَشْعَثُ أَغْبَرُ
قليلاً على الظهرِ المطية ِ ظلهُ،
سِوَى ما نَفَى عَنْهُ الرِّداءُ المُحَبَّر
وأعجبها من عيشها ظلُّ غرفة،
وَرَيّانُ مُلْتَفُّ الحَدَائِقِ أَخْضَرُ
ووالٍ كفاها كلَّ شيءٍ يهمها،
فليستْ لشيءٍ آخرَ الليلِ تسهر
وَلَيْلَة َ ذِي دَوْرَانَ جَشَّمْتِني السُّرَى
وقد يجشمُ الهولَ المحبُّ المغرر
فبتُّ رقيباً للرفاقِ على شفاً،
أحاذرُ منهمْ من يطوفُ، وأنظر
إلَيْهِمْ مَتَى يَسْتَمْكِنُ النَّوْمُ مِنْهُمُ
وَلَي مَجْلِسٌ لَوْلا اللُّبَانَة ُ أَوْعَرُ
وباتتْ قلوصي بالعراءِ ورحلها،
لِطَارِقِ لَيْلٍ أَوْ لِمَنْ جَاءَ مُعْوِرُ
وَبِتُّ أُنَاجي النَّفْس: "أَيْنَ خِبَاؤها؟
وَكَيْفَ لِمَا آتِي مِنَ الأَمْرِ مَصْدَرُ؟"
فَدَلَّ عَلَيْهَا القَلْب رَيّا عَرَفْتُها
لَهَا وَهَوَى النَّفْسِ الَّذِي كاد يظْهَرُ
فَلَمَّا فَقَدْتُ الصَّوْتُ مِنْهُمْ وأُطْفِئَتْ
مَصَابِيحُ شُبَّتْ في العَشاءِ وَأَنْؤُرُ
وغابَ قميرٌ كنتُ أرجو غيوبهُ،
وَرَوَّحَ رُعْيَانٌ، وَنَوَّمَ سُمَّرُ.
هذا واختمم ولد أحمدو محاضرته بالتفاتات أدبية طريفة، ونموذج من القصة في شعره، وذلك من خلال قصيدته الشهيرة "عودة الهديل"، التي وظف فيها أسطورة موريتانية قديمة تؤكد حتمية انتصار الحق، كذلك الجانب السردي لقصيدته "بطاقة دعوة إلى أبي حيان التوحيدي"
يذكر أن الشاعر محمد الحافظ أحمدُ أحد رموز الأدب الموريتاني ووجه من الوجوه البارزة في الثقافة العربية، وحاصل على "جائزة شنقيط" (جائزة الدولة التقديرية)، كما أنه عمل في الصحافة الأدبية، وله إصدارات ومشاركات قيمة في المشهد الأدبي الموريتاني والعربي.