الكون آية الله المبينة لوحدانية الخالق جل جلاله، وما فيها من الدلائل والعبر تبصرة لأولى الأبصار، وموعظة لقوم يعقلون، من بين أيام الأسبوع اختير يوم الجمعة ليكون منحة الله تعالى وهبته لهذه الأمة؛ إذ هو سيد الأيام، فضله الله جل جلاله على سائر الأيام، واختصه بالذكر والثناء وكفى بذلك شرفا.
وقد جاءت السنة النبوية مفصلة لصلاة يوم الجمعة، وخصوصيته التعبدية؛ يتضح ذلك من خلال "كتاب الجمعة " في البخاري المحتوى على أربعين بابا مفتتحة بقول الحق تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" وهي الآية التاسعة من سورة الجمعة المدنية؛ نزلت حين قدم دحية الكلبي رضي الله عنه يقود قافلة من الشام إلى المدينة المنورة في بداية الإسلام؛ فكان الشارع يأمر بعدم البيع في هذه الساعة من يوم الجمعة تذكيرا بيوم قادم أعظم "لا بيع فيه ولاخلة ولا شفاعة ...".
إن حديث فرض الجمعة الذي رواه أبو هريرة ليوضح أنها فرضت على من كان قبلنا وأنزل عليهم التشريع فاختلفوا فيه من بعد ما جاءهم العلم "فهدانا الله، فالناس لنا فيه تبع".
ثم تحدثت الأحاديث عن الغسل الذي جاء تهيئة للعيد الأسبوعي، وعن حسن الملبس والتطيب، والاستياك برقيق العيدان ونحو ذلك؛ مما يدل على روح الإسلام الحضارية، وعظمة قيم الطهارة والتطهر فيه، ثم جاءت الأحاديث مبينة لحكم صلاة الجمعة حين المطر الشديد، وحين الحر والبرد، وعلى من تجب، كما تحدثت عن شمولية يوم الجمعة ، وفضله، وخصوصيته الدينية....
جاءت التفاصيل الدقيقة الواردة في السنة النبوية لتحث على تأدب المصلي يوم "الجمعة"، حيث أُمر بالجلوس حيث انتهى به المجلس، لا يتخطى الرقاب ولا يقيم أحدا من مكانه؛ لتتحد الأقوال والأفعال على أداء الصلاة في هيبة وخشوع.
كما ورد الأمر بجلوس الإمام بين الخطبتين لتنويع موضوع الخطبة، والاستراحة، وإفساح المجال للدعاء، والتضرع في جوف العبادة؛ وعلى الإمام إذا رأى داخلا إلى المسجد أن يأمره بالصلاة (خلافا بين مذاهب أهل الملة) منهم من يرى ذلك، ومنهم من يرى الجلوس، ولكل حججه وتعليلاته في كتب الفقه.
صلاة الجمعة وقت إنصات وعبادة، ووعظ وتذكير؛ واستجابة دعاء، وهو يوم عيد وزينة للمسلمين، يغتسلون فيه، ويتطيبون، ويلبسون أحسن الثياب، فإذا قضيت صلاته انتشروا في الأرض ابتغاء فضل الله، وذكروا الله كثيرا لعلهم يفلحون.
وصدق الله ورسوله
الدكتور :افاه ولد الشيخ ولد مخلوك