يشاع عند الكثيرين أنه لا يوجد دور للمؤسسة العسكرية سوى الدفاع عن الحدود والحوزة الترابية. في حين أن أدوارها تتعدى ذلك بكثير، وهو أمر طبيعي جدا أو هكذا يجب أن يكون. حتى ان الأمر قد يصل بالعسكري إلى أن يجد نفسه رجل إسعاف أو إطفاء يتدخل لإغاثة المنكوبين في أوقات حدوث الأزمات والكوارث الطبيعية كالفيضانات والحرائق وغيرها.
إن الهدف الأساسي والرئيسي للمؤسسة العسكرية حماية الأمن القومي بمعناه الشامل ولا يمكن بأي حال حصر دورها على تأمين الحدود وحمايتها فقط. ولا يمكن للمؤسسة العسكرية أن تقف متفرجة على الدولة وهي تتخبط في أزماتها دون التدخل والمساهمة في حل تلك الأزمات. فالذي على الجميع أن يعيه هو أن حماية الامن القومي للأوطان لا يقف عند المفهوم العسكري فقط، ولكنه يشمل الأمن السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأمني والعسكري والبيئي. فإن حدوث أي خلل في أحد تلك العناصر سيؤثر بشكل مباشر على الأمن القومي للدولة وبالتالي فإن التأثير سيطال لا محالة الاستقرار ووحدة البلد.
لقد تدخل جيشنا الوطني دائما حيث كان يجب أن يتدخل. فالجميع يذكر تدخله في 1978 عندما أنهكت الحرب الوطن، وهو حينئذ بلد وليد في طور النشأة والتشكل ولا يتحمل الدخول في حروب قد تعصف به، ولديه الكثير من الأولويات المتعلقة ببناءه ونموه والمحافظة على وحدته وكينونته. ونتذكر أيضا تدخل الجيش في العام 1984 بعد أن تضرر الجميع وأصبح التغيير حلما جماهيريا سعى الجيش إلى تحقيقه واقعا ملموسا. وحتى تدخل الجيش في 2005 وما بعدها كان مطلبا شعبيا بعد أن وصل الإحتقان السياسي ذروته ودخلت البلاد أنفاقا مظلمة لم تتبدد حلكتها إلا بضوء الأمل الذي حمله تدخل جيشنا الوطني لإعادة الوطن إلى سكة الاستقرار والبناء والتنمية.
ثم كيف لعاقل أن يتصور أن المؤسسة العسكرية ينبغي أن تبتعد وتكون معزولة عما يجري في البلد كأنها غير معنية به، أو كأنها تنتمي لكوكب آخر. وكيف لها أن تتخلى عن صميم عملها ودورها الوطني النبيل في حفظ الأمن القومي للبلد وحمايته خاصة في مثل هذه الظروف التي نعيشها اليوم حيث تتنامى حدة الخطابات العنصرية والتحريض على الكراهية والعنف وكذا الاجتماعات القبلية والتكتلات الجهوية. وكلها أمور تشكل خطرا داهما على أمننا القومي ووحدتنا وتماسكنا واستقرار بلدنا.
لقد حقق النظام الحالي -بعدما أخفق من سبقه- مسألتين أساسيتين في ترسيخ أمن البلد، بل لا غنى عنهما في استتباب الأمن القومي. فاختيار الشخص المناسب لإعادة بناء المؤسسة العسكرية والأمنية كان أمرا ضروريا في هذه المرحلة. كما أن انجاز الحالة المدنية قد مكن البلد من معرفة من هو الموريتاني ومن هو المقيم، إلى غير ذلك من توفير البيانات والمعلومات الأساسية في قضية الأمن.
إن جدلية حكم العسكري وحكم المدني القائمة تحيلنا إلى النظر والتمعن لنجيب على تساؤلات واردة في هذا السياق.
هل من يحكم البلاد في الآونة الأخيرة هم النخبة من المدنيين أم هم "العسكر"؟؟ مع تحفظي الكامل على هذا اللفظ لما أصبح يحمل من دلالات خرجت عن سياق المعنى الأصلي للكلمة.
وإذا كانت النخبة هي الحاكمة فلماذا يتم تحميل المؤسسة العسكرية كل فشل يحصل؟؟
وإن كان "العسكر" من يحكم البلاد وبشكل "فاسد" كما يدعي البعض فلماذا تقوم النخبة بالتنفيذ؟؟
إن مثل هذه الأسئلة يحيلنا إلى واقع ملموس نعرفه جيدا. فجميعنا نعلم أن المدنيين هم من يتولون تسيير الوزارات وإدارات المؤسسات وحتى ان المستشارين والأمناء العامين والولاة والحكام هم من المدنيين!!
بل إن تسيير أمور وزارة الدفاع في بعض الأحيان يكون بيد مدني!!
فينبغي إذا أن ننصف المؤسسة العسكرية، وأن لا نحملها فشل النخبة في تسيير الأمور. وإن كان لا بد من إيجاد شماعة لتعليق الفشل عليها فينبغي البحث عنها بعيدا عن المؤسسة العسكرية وعن جيشنا الوطني الذي يجب أن يكون ويبقى دائما مصدرا لفخرنا واعتزازنا.
*محمد الحافظ ولد محمد فال _ إطار بصندوق الإيداع والتنمية