حين سمع الكفار أذان الصلاة عند المسلمين قالوا:فمن أين لك صياح كصياح العَيْر؟ فما أقبحه من صوت وما أسمجه من كفر! كل ذلك كان حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق، سنحط الرحال في ليلتنا التاسعة معكم في جنة غناء تطيب أزهار سنابلها، ويفوح "أريجها"، ويتضوع منها نسيم الصبا، إنها "كتاب الأذان "من البخاري الذي يشتمل على ثمانين بابا من صميم الكتاب، وحواشي موضوعه الغني الفياح.
يفتتح المؤلف كتابه بقول الحق "وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ" وهي آية من "المائدة" مدنية موضحة لجو نزول "الأذان" وتشريعه، ثم آية "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" إذ" وهي مدنية أيضا، ويربط لفظ "الأذان " بين الآيتين التي تتوجه إحداهما إلى المشركين بالتوبيخ على على استهزائهم بالآذان، وتتوجه أخراهما إلى المسلمين لتحضهم على الاستجابة للأذان.
يبدأ الكتاب بتبيان طريقة بدء الأذان، حيث يورد "مشورة " بين المسلمين في كيفيته، حيث اقترح عمر بعث من يؤذن، وأمر المصطفى صلى الله عليه وسلم بلالا أن يصدع بما يؤمر به، ويذكر البخاري في الباب الثاني أنه "مثنى مثنى " وهي قصة اختلف فيها أهل المذاهب مذاهب شتى، فأذان المالكية مثلا ليس هو أذان الحنابلة، في حين لا نجد في الإقامة اختلافا إلا في لفظ "قد قامت الصلاة ".
فمن الباب الثاني إلى التاسع عشر كان ارتباط الأبواب بالأذان ارتباطا وثيقا، فهناك تفصيل للأذان في ذاته، وحديث عن فضله، ورفع الصوت به، وما يحقن به من الدماء، وما يقوله المستمع له، إضافة إلى ذكر الدعاء عند الأذان، والكلام في وقته؛ وتوضيح كيفية أذان الأعمى، والأذان قبل الفجر وبعده، ثم الحديث عما يرتبط بالإقامة والنوافل من وقت قبل الصلاة وبعد الأذان؛ والحديث عن رفع الصوت للواحد وللجماعة في السفر.
أما في الباب التاسع عشر ففيه وصف حسي لطريقة الآذان، وما ينغي على مستمعيه: قال"باب هل يتبع المؤذن فاه هاهنا وهاهنا ..".
أما الأبواب بعد ذلك فتتحدث عن الصلاة، والتهجير لها، وسجود المأمون خلف الإمام، وتفاضل أوقاتها، وخروج المصلى من المسجد، ومابين الإقامة والأذان من أعمال البر، وحكم المطر، والصلاة فيه، وأحقية أهل الفضل بالإمامة، وحضور الإمام بعد أن تقام الصلاة!
وأبواب الكتاب الختامية لا ترتبط ارتباطا وثيقا بالأذان، وإن كانت تلامس موضوعه، وتتحدث عن الصلاة التي هو جزء منها، ليكون آخر ما في الباب الحض على صلاة الناس ببيوتهم، ليرتبطوا بروح العبادة ولبها لا مكانها وشكلها "فصلوا أيها الناس في بيوتكم".
وختاما فإن في أحاديث أبواب الكتاب إشارة إلى فضل المبادرة والشورى و الابتكار، وتبيان لأهمية الاستعداد للهدف، وإعطاء الوسيلة قيمة كبرى تكاد تضاهي الغاية، وإن ما أورده المؤلف في الكتاب عن الآذان ومتعلقاته، ليدل على أن الأمة الإسلامية أمة منظمة تعطي لكل ذي حق حقه؛ تجعل الرجل المناسب في المكان المناسب "إمامة أهل الفضل"، وتراعي الظروف الجوية "صلاة المطر" والظروف النفسية "صلاة المسافر" فديننا بحق دين شامل معد لأن يكون صالحا لكل زمان ومكان.
الدكتور :افاه ولد الشيخ ولد مخلوك