لم تخط أنامل إسحق ولد سيد الأمين مما قرأت له مقالا أضعف ولا أسفه من مقال بعنوان "فسيكفيكهم الله"، فمتى كان الإبداع في تجميع مادة مسلوخة من خطب شهيرة ؟، وهل سرقة القوالب إلا إحدى المثالب، حق صاحبها التثريب والعتب لا الثناء والعجب؟.
يدرك هذه الحقيقة كثير من المهللين للمقال، غير أن خصومتهم مع الإسلاميين تحملهم على اعتبار "والطاحنات طحنا فالعاجنات عجنا فالثاردات ثردا" أبدع وأروع ما قيل حين تحمل مسا من الإخوان.
من معية الله للإخوان أن المعجبين بالمقال استحسنوا عن جهل تعريضا مرا بالسنة النبوية، فقد استهل الكاتب مقاله بقوله " حين أرسل أمير المؤمنين ابن عمه لمناظرة الخوارج أوصاه "لا تجادلهم بالقرآن فإن القرآن حمال أوجه" اجتزأ منه بقيته وهي قوله "وخذهم بالسنة"، ثم علل الكاتب كون القرآن حمال أوجه بقوله "وكذلك كل نص فائض بالمعنى سلس المبنى" ولما كانت السنة ليست حمالة أوجه حسب الرواية المنسوبة للإمام، فإنها حسب تعليل الكاتب خالية من فيضان المعنى وسلاسة المبنى.
لم يقتصر الكاتب على هذا الخطل الكبير عن جهل أو غفلة، بل منح مقاله "رجل الظل منزلة الأسلوب القرآني في فيضان المعنى وسلاسة اللفظ وكأنه لم يجد ما يرفع به مكانة أسلوبه إلا تشبيهه بالقرآن؟
ألتمس العذر للكاتب في الحالة النفسية التي يعيش فسحره منتفخ، وروعه منفجر، إذ لا يدري أتقريب محمد صاحب الحملة له اليوم من باب لا تثريب عليكم يغفر الله لكم، أو هو تطييب بخاطر محمد مربي الجيل ما دام في السلطة.
يؤرق الكاتب إدراكه أن الرجل ممن يقرأ ويفهم، وله من العقل فوق ما يدرك به أن الحديث عن الجنرالات ومكائد رجال الظل وتسميتهم بأسمائهم -في أكثر من دولة- حين يصل إلى الحالة الموريتانية ويتحول إلى رئيس حزب مدني، شبيه باستفاضة تلك الفتاة في غيبة رجل بأقذع الأوصاف، حتى إذا دهمها، وسمع منها، تملكتها الدهشة فقالت: أعني أخي عمرا!!
أبلغ نصيحة أنَّ راعي إبلها ... سقط العشاء به على سرحان
سقط العشاء به على متقمرٍ ... طلق اليدين معاود لطعــــان
لم يك مقال عام الوفود سخرية من المعارضة، بقدر ما كان بوحا يترجم هلعا نفسيا من ارتفاع أسهم من كان رجل الظل، فهل رأيتم مسؤولا إعلاميا يصد عن سبيل مرشحه، وهل السياسة إلا تقلبات وتغيرات وانسحابات وانسحابات مضادة؟
لم يكن التعريض بأسلوب السنة النبوية في المقال الإساءة اليتيمة لمقدس، فنصب الفاروق الذي أعز الله به الدين وأذل الشرك والمشركين رمزا وجوديا عديم الرشد في قوله: "أكلوا مبادئهم كما أكل ابن الخطاب ربه" ولو تفيأ ظلال آية، لعلم أن من الجفاء أن نجعل دعاء الصحابة كدعاء بعضنا بعضا، كما نهوا أن يجعلوا دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم كدعاء بعضهم بعضا.
حديث الكاتب عن غرفه من بحر وتبجحه بأسلوبه شبيه بتبجح المومس بجمالها، كلاهما حسن المظهر خبيث المخبر، ذو كسب متبر، فأي شرف لقلم لم ينصر مظلوما، ولم ينكر منكرا، ولم يسهم في نشر وعي، ولم يؤلف، ولم يصارع استبدادا، وإنما ينشر فضائل الإخوان كما نشر الحاسد فضائل المحسود؟.
ليس لحديث الكاتب عن شجاعته وجلاده حاسرا مثيل إلا حديث المنزوف "فعلا"، ذلك أن نسوة من العرب لم يكن لهنَّ رجلٌ، فزوجْنَ إحداهن رجلا كان ينام الضحى، فإذا أتينه بصَبُوح قُلْنَ: قم فاصْطَبِحْ، فيقول: لو نَبَّهْتنني لعاديةٍ، فلما رأين ذلك قال بعضهن لبعض: إن صاحبنَا لشُجاع، فتعاَلَيْنَ حتى نجربه، فأتينه كما كنَّ يأتينه فأيقظنه، فقال: لو لعادية نبهتنني، فقلن: هذه نَوَاصي الخيل، فجعل يقول: الخيل، الخيل، و"يَفعل"، حتى مات"
أما حديثه عن "المهرية القود" فحديث العارف الخبير، لا من قبيل الطعان والكر، بل من قبيل النجاء والفر، وبطولاته في ذلك مشهودة، فقد حملته ذات هلع من سرت إلى انواكشوط. فأنشد:
عدس ما لعباد عليك إمارة أمنت وهذا تحملين طليق
محمدن الرباني