تعيش موريتانيا هذه الأيام استقطابا سياسيا وحراكا غير مسبوق تحضيرا لاستحقاقات يونيو القادم، ومن المؤكد أن البلد لم يدخل حملة سابقة لأوانها كما دخلها هذه الأيام، فمهرجانات المترشحين لهذا السباق متواصلة، وتحضيراتهم الداخلية لحملاتهم تظهر للنور تدريجيا، والجدير بالذكر أن كل ذلك يتم في جو هادئ، يحترم إلى حد كبير قواعد اللعبة الديمقراطية، مما يعني أن
مجتمعنا - حديث العهد بالبدواة - مصمم على بناء دولة مستقرة، تقوم على التناوب السلمي للسلطة، فى محيط إقليمي مضطرب، وواقع دولي لا يساعد على ذلك.
لقد تابعت خطابات المترشحين، على اختلاف مرجعياتهم، في مرحلة ما قبل الافتتاح الرسمي للحملة، وسجلت بإعجاب كبير هامش الحريات المتاح، حيث مدح النظامَ من أراد، وانتقده بشدة من اختار، دون أن أسمع عن اعتقال، أو مصادرة رأي، أو إغلاق صحيفة أو موقع.
وإذا أضفنا إلى كل ما ذكرنا آنفا قبول الرئيس طواعية بعدم الترشح لمأمورية ثالثة احتراما للدستور، علمنا أن البلد يسير مطمئنا في طريق الترسيخ الديمقراطي، والتراكم الضروري في تجربة التناوب السلمي على السلطة.
ولن تجني موريتانيا وحدها ثمار هذه التجربة الفريدة من نوعها، بل إن المنطقة كلها وإفريقيا بشكل عام ستستفيد أيضا.
من بين الخطابات المختلفة للمترشحين لفت انتباهي خطاب السيد محمد ولد الغزواني، لما تميز به عن الخطابات السائدة من خروج عن المألوف، حيث كانت أغلب خطاباته تبدأ دون مقدمات ابروتوكولية، ودون حضور رسمي، وبلغة عربية فصيحة في أغلب الأحيان، وهي إلى ذلك خطابات تتناول إشكالات جوهرية، تهم المواطن العادي وتؤرقه.
كل هذه العوامل مجتمعة مهدت الطريق للرجل ليدخل إلى القلوب بعفوية، وزادت من رصيده الشعبي، وجعلت منه مرشح إجماع وطني بلا منازع، تجلى ذلك في مظاهر مختلفة، منها:
- الدعم السياسي والمدني الذي جسدته المبادرات التي زادت على المائة، في وقت قياسي وبتمويل ذاتي، مما يوحى بتجذر قناعة أصحابها بمشروعه النهضوي.
- دعم قطاعات مهنية عديدة له، مثل قطاع الصحة، والمحاماة، وغيرهما من القطاعات الفاعلة.
- قدرته على استقطاب أعداد مقدرة من المعارضة، كما ونوعا، رموزا وقواعد.
- استطاعته تحريك المياه الراكدة في صفوف المحايدين، أو من اصطلح على تسميتهم ب"حزب الكنبة"، فجذبهم خطابه الساحر، ودفعهم للمشاركة الفاعلة في خدمة البلد بعد طول غياب.
لقد صدق المرشح حين ذكر أنه سيكون أول المستفيدين من الشفافية وحياد الإدارة، لأنه يدرك بقوة حجم التأييد الذي يحظى به من مختلف مكونات المجتمع، وهو ما أكدته جهات محايدة عديدة، منها قناة "الجزيرة" في استطلاع سابق، كما توصل له "مركز الضياء الكندي للدراسات العربية" في استطلاع صادر في شهر مارس الأخير.
لقد أظهر الاستطلاع المذكور اتفاق عدد كبير من المواطنين في الداخل والخارج على تعلق الرجل بدولة المواطنة القائمة على الحرية والمساواة بين الجميع، وأثبت بوضوح أنهم يرون أن الرجل يشكل إجماعا وطنيا بين مختلف مكونات المجتمع؛ إذ بلغت نسبة الداعمين له 82 في المائة من مجموع المشاركين في الاستطلاع، الذين تجاوزوا 2000 مشارك.
ورأى المؤيدون أن البلد بحاجة إلى قائد قوي مثل غزواني، متخفف من البعد القبلي والجهوي، فهو بشهادة من عملوا معه عن قرب، ليس حبيسا لإطاره الجهوي ومحيطه القبلي، رغم ارتباطه به، شأنه في ذلك شأن أي مواطن عادي، بل متجاوز له الى أفق المواطنة الواسعة، التي تقدر المرء على أساس كفاءته، بعيدا عن معايير العرق واللون والولاء الحزبي.
هذا بالإضافة إلى إيمانه العميق بالوحدة الوطنية، واحترام التنوع العرقي للبلد، والنظر إليه على أنه عامل إثراء، لا عامل فرقة، حسب معطيات استطلاع المركز المذكور.
وخلاصة القول أن السيد محمد ولد الغزواني انتزع بأبعاد شخصيته ومهاراته المتعددة صفة مرشح الإجماع الوطني من منافسيه، لما أبدى من جدية وتواضع، ومعانقة برنامجه الانتخابي لهموم البلد، واهتماماته المستقبلية.
* مدير مركز الضياء الكندي للدراسات العربية