نصيب هذه الليلة من السنابل التراويحية هو "كتاب الوضوء" من البخاري والذي يحتوي على خمسة وسبعين بابا من متعلقات الوضوء ومشتقات الطهارة ذاتها، غير أنه وبالتمحيص والتدقيق في مكتوب المؤلف رحمه الله نجد الأحاديث السبعة الأولى تتكلم عن الوضوء وكيفيته والمراد منه، وكلها أحاديث قولية لسنن فعلية، وأمر قرآني قطعي الدلالة قطعي الورود أجمل وفصل "فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ..." لذا معظم الأحاديث عن الكيفية وطريقة الشرح والنواقض التي لم تذكر في النص القرآني المحكم....
ومن الباب السابع إلى العشرون أسهب المؤلف في مواضع علاقتها بعيدة عن الموضوع، وأغلبها عبارة عن مجموعة من العادات التي كانت عند كافة العرب؛ تفرضها البيئة والزمن وطبيعة العمران والحياة حينئذ؛ "الذهاب للخلاء" ووضع الإناء " كيفية الغائط "خروج النساء إليه" الاستنجاء ......الخ،
وربط ذلك كله بالوضوء مما يثقل كاهل الباب، ويودي إلى صعوبة الفهم، لاختلاط العادات بالعبادات.
ثم نلاحظ تداخل الأبواب بعد ذلك، حيث نجد المضمضة والاستنشاق، إضافة إلى الكلام عن مس الأعضاء التي يوجب مسها إعادة الوضوء.
زد على ذلك التماس الوضوء حين الصلاة، والمسح على النعال؛والحديث عن أصوات المخارج؛ رجوعا إلى العادات الموجودة حين فرض الوضوء "إناء الوضوء" الخشب ؛المد؛الوتر " الخ .....
لتكون الأبواب الثمانية والعشرون كلها تقريبا تقريرا واقعيا عن عادات وسلوكيات هذبها الشرع وتكلم عنها المشرع عرضا حين وقوعها مثل بول الصبي، وبول الرجل بالمسجد، لتتطرق الأحاديث المذكورة إلى أبوال البشر وأبوال الحيوانات "الإبل " و "والغنم". إضافة إلى الحديث عن طبيعة المني والمذي وحكمهما، وعن البزاق والمخاط في الثوب.
و في أغلب أبواب الكتاب تفصيل لطبيعة التبول وصفته وما يرتبط به من حيطان وعيدان، وتبيان لتلك العادات التي أصبح الحديث عنها متعبدا به وكيف لا؟ ونحن نتكلم عن عادات مرتبطة بالمصطفي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي ....
وعموما كل أبواب هذا الكتاب سفر يبين بعض العادات المتربطة بالطهارة، ويرشد للمدنية والحضارة، والانضباط رغم اختلاف الزمن وطبيعة الناس المتقلبة....
كل مجموعات الكتاب التي قسمناها آنفا تبين لنا صدق وورع أصحاب هذه الرسالة التي نقلوها لنا؛ فحتى العادات المحيطة بجو الوحي ونبي الرسالة صلى الله عليه وسلم ينقلونه لنا؛ إرشادا إلى التمسك بالأصل والحفاظ عليه عملا وسلوكا.....
إن البخاري رحمه الله رحمة واسعة داخل المواضيع بعضها مع بعض، وطغت عليه عادات العجم التي هي خلاف عادات العرب؛مثل التفصيل الدقيق لبعض الأمور التي لم ترد قولا ولا فعلا ولا تقريرا، وإنما هي توقعات أو وقائع ماكان لتفصيلها أن يتم في أمكنة العبادة والتعبد.
لكن الإغراق في تفاصيل السلوك والعادات من شأنه أن يربك القارئ والمتلقي حتى يختلط عليه العرض والجوهر، والواجب والمندوب، والمحرم والمكروه.
الشيء الذي يمكن أن نتبينه من قول النبي صلى الله عليه وسلم "ما أنا إلا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد" فتلك واحدة من العادات والمسائل العرضية "لا القديد " يمدح هنا، ولا يحلل ولا يحرم ....
"لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ..."
الدكتور :افاه ولد الشيخ ولد مخلوك