اليوم في حالة نادرة و استثنائية بكل المقاييس في عالمنا العربي والإسلامي وشبه المنطقة تخوض أمتنا غمار تجربة فريدة وتقدم للعالم من حولها درسا في السلوك الديمقراطي الواعي المتحضر ، رئيس منتخب في كامل لياقته السياسية والالتفاف الجماهري من حوله يكمل مأموريتين ويغادر السلطة طائعا احتراما للدستور والمواثيق وترسيخا لقيم الديمقراطية .
ما كان لهذا الحدث أن يكون لو لا أن فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز أحس بعظم المسؤولية وثقل الأمانة في هذه اللحظة الفارقة والمنعطف الحاسم من تاريخ بلدنا السياسي .
كان بالإمكان أن يصغي لسيل الدعوات والمبادرات من النخبة والجماهير لتغيير الدستور والبقاء في السلطة وكانت الآليات لتمرير مثل هذا التعديل في متناوله .
إن أول ما دعا له فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز هو استعداد الشعب وخصوصا الشباب لحماية المكتسبات الوطنية والذود عنها والتضحية من أجلها وإعلان القطيعة النهائية مع الممارسات الفاسدة لذلك جاء قراره منسجما مع مشروعه الذي بشر به قبل عقد من الزمن متصالحا مع نهجه الذي أسس له وبناه على الصدق والمكاشفة.
لقد أوصلنا الرجل إلى بر آمن وأرضية صلبة نقف عليها اليوم بكل ثقة واعتزاز وخيلاء وننظر خلفنا لعشر قطعناها مرصعة بالإنجازات والإصلاحات بدأها بحرب لا هوادة فيها على الفساد والمفسدين الذين جعلوا من بلدنا نهبا لهم ولجوقتهم وعاثوا فيه خرابا فنخروا مؤسساته وأفلسوها وتواطأوا مع الأجنبي على سرقة ثرواته ومقدراته وتهريبها وحملّوا أجياله اللّاحقة ديون ما صرفوا على نزواتهم و مغامراتهم وسوء تسييرهم، فاستعادت الخزينة أموالا طائلة وتمت مراجعة الاتفاقيات مع المستثمرين الأجانب وها هو اليوم في آخر أيام مأموريته يعقد تفاهمات لحل مشكلة هذه المديونية التي تشكل عبئا ثقيلا على الاقتصاد الوطني.
لقد تميزت هذه العشرية الأخيرة أيضا بما حظيت به الفئات الفقيرة والمهمشة وتلك التي تعرضت لظلم تاريخي من عناية وتمييز إيجابي لا ظلم فيه ولا مزايدة كان له بالغ الأثر في حياتهم مما يضيق المقام عن عده وتفصيله ،ثم إنها كانت عشرية مصالحة مع القيم والثوابت الوطنية والخيارات الإستراتيجية فقد تم توجيه البوصلة للجهة الصحيحة وأعيدت المياه إلى مجاريها حين قطعت العلاقة المشينة مع الكيان الصهيوني الغاصب واقتلعت سفارته من أساساتها ولم يبق منها حجر على حجر في عملية تَطَهر من ذلك العار والدنس، وتم تثمين تاريخ البلد وتضحيات أبنائه لأول مرة في تاريخه وفاء لذكراهم ولما قدموه خدمة لأمتهم وأرضهم ولأول مرة أيضا يتم الالتفات للمدن العتيقة ولموروثنا الثقافي فنظم مهرجان المدن القديمة الذي يفتتح كل عام تحت الرعاية السامية لفخامة رئيس الجمهورية وبحضوره شخصيا ونُشِر المصحف الموريتاني وعشرات من مصنفات الشناقطة على نفقة الدولة الموريتانية وأطلقت قناة المحظرة وإذاعة القرآن الكريم وأنشئت هيئة للفتاوى والمظالم وأعيد للعلم والعالم مكانتهما .
لقد حررت في هذه العشرية العقول وشجعت الإبداعات ونميت المواهب وصينت الحريات وفتح الباب على مصراعيه لكل صاحب مبادرة وفوق ذلك حرر الفضاء السمعي البصري وشجعت الصحافة وحميت بقوة القانون وقُطِعت أشواط كبيرة في هذا الجانب شهد بها البعيد قبل القريب .
لقد كانت مقاربة فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز في الأمن التي بناها على ثنائية القوة والحوار ناجعة ومحل تثمين وإعجاب فجُهز الجيش وأُعِد وأحكمت خططه لمواجهة التحدي الأمني الذي كان يضرب في شوارع عاصمتنا ويقتل جنودنا ورعايانا من دون أن نحرك ساكنا فهوجم الإرهابيون في معاقلهم وعوقب المتورطون منهم بأعمال مدانة وشُرعت الأبواب أمام المغرر بهم ممن لم تتلوث أياديهم من شبابنا بأعمال إجرامية ليلجوا الحياة النشطة ويندمجوا في مجتمهم عناصر فاعلين لهم مالهم وعليهم ما عليهم .
لقد كانت مهمة النهوض بالبلد وتنميته فرس الرهان لدى فخامة رئيس الجمهورية وكان على ثقة بأن الموريتانيين بما حباهم الله به من ذكاء وموارد قادرون على رفع هذا التحدي والسير ببلدهم حثيثا نحو التقدم والازدهار، فكانت موريتانيا خلال العشرية الأخيرة ورشة عمل فحيث ما يممت تجد ما يثبت ذلك فبنيت المدارس والمعاهد والجامعات وأنشئت المراكز الصحية والمستشفيات المتخصصة وأقيمت الطرق وربطت أغلب المدن بها، فضلا عن ما أنجز من شبكات الطرق الحضرية في المدن ،وإظهار العاصمة على وجه الخصوص بما يناسبها كعاصمة فتية .
أنشئت الموانئ والمطارات والمصانع والسدود وسقيت مناطق واسعة بالبلد كان العطش يهددها وشجعت الزراعة والتنمية الحيوانية وأقيمت مدن من عدم جمعت من حولها أحياء كثيرة كانت متفرقة فقربت الخدمات ورشدت موارد كبييرة بذلك. إلى ذلك كان فخامته مدركا لمحورية دور الطاقة في العملية التنموية فكانت من الأولويات التي اشتغل عليها ولم يمض وقت طويل حتى أصبحت لدينا توليفة من أنواع مصادر الطاقة ننتج منها فائض عن حاجتنا نصدره اليوم لبعض جيراننا. لقد احتل بلدنا خلال العشرية الأخيرة مكانة مرموقة بين الأمم والشعوب وتطلع بأدوار دبلوماسية رائدة ونال ثقة الشركاء والجيران ما مكنه من فض نزاعات مستعصية وأزمات كادت تعصف بدول شقيقة وصديقة ، مكانة جعلت منه فاعلا يحسب له حسابه في السياسات الدولية وقبلة بها تعقد المنظمات الدولية لقاءاتها وإليها يأوي قادة العالم من ملوك ورؤساء للاجتماع والزيارة.
لقد شارك بلدنا في العشرية الأخيرة بقوة وفاعلية في بسط السلام في مناطق مضطربة من قارتنا الإفريقية فنالت قواتنا التنويه والإشادة بقوة كفاءتها وانضباطها . كل هذا حدث والعالم من حولنا يمور ويتقلب تصبح فيه الدولة معافاة وتمسي أثرا من بعد عين تتخطفها أيادي الإرهاب والغلاة والمطامع العابرة للحدود والقارات .
لقد حمل فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز مشروعا متكاملا شخص الحالة ومواطن الخلل والعلاج ، وقطع به مراحل صعبة بسرعة فائقة ..صحيح أن الطريق مازال طويلا وما تزال جسام التحديات به ،وأمامنا الكثير لننجزه لكن للرجل أمانة وعهد وللدستور كلمة.