الشأن الداخلي.
تشهد مخيمات اللاجئين الصحراويين احتجاجات شعبية بين الحين والآخر، مختلفة الأسباب و المطالب، و يلاحظ في كل مرة تنظم فيها مظاهرات تحت أي مطلب كان و أمام أي مؤسسة من مؤسسات الدولة ، الكثير من اللغط المصاحب للفعل و تداعياته، رغم أن الإحتجاج ثقافة مدنية لا تحتاج لكثير تأويل.
و الدولة الصحراوية المقامة بالمنفى، و جبهة البوليساريو الثورية التحررية لا يمكنهما ادعاء أنهما يسوسان المدينة الفاضلة، فهنا يوجد شعب تسير شؤونه بالمتاح من الإمكانيات في ظروف استثنائية صعبة و معقدة، شعب يوحده فكر تحرري و هدف سامي هو استكمال سيادته على أرضه، شعب يعيش حاجاته اليومية و تتداخل يوميات الأفراد فيه و الجماعات.. و هذه كلها معطيات تشي بمعايشة الأوضاع الاجتماعية و السياسية و الثقافية الطبيعية الممكنة لدى أي تجمع بشري؛ هنا تحدث الخلافات أيضا و الشقاقات، و قد يوجد الظلم و سوء التفاهم كما توجد العدالة و أدواتها و محددات فض النزاعات..
و رغم أن الإحتجاج كما سبق و ذكرنا هو ثقافة مدنية، إلا أنه سلوك مستحدث لدى اللاجئين الصحراويين، و لربما تعود أسباب حداثته إلى الإنفتاح البين بين السلطة و المواطن و تعدد الفرص المتاحة للتعبير عن الانشغالات، و أبواب المؤسسات الوطنية المشرعة على الدوام أمام المواطن، و قد يعتبر سلوكا وافدا بحكم التأثر بثقافات الشعوب المجاورة. لكنه يبقى سلوكا محترما مدنيا بامتياز .
و نظرا للظروف السياسية الإستثنائية التي يعيشها الشعب الصحراوي، و إدراك اليد الطولى للعدو المغربي و مخابراته في خلق أجواء مشحونة تقض مضاجع الصحراويين، كذلك استغلاله لكل شاردة أو واردة تحدث بالمخيمات و حياكة الإفك حولها، تبالغ السلطة الصحراوية أحيانا في ربط العديد من الاحتجاجات المنظمة بالمخيمات بأسلاك العدو المغربي النتنة المنتشرة هنا و هناك، ما يعكس تجاوبا أقل و تراجعا بصواب الحلول الممكنة و كذا زيادة غبن المواطن المحتج من ألم و المتهم في وطنيته.
و أعتقد أنه بات من الملح التخلي عن كل هذه الحساسية من الوقفات الاحتجاجية، فليس هناك دولة في العالم إلا و يحتج مواطنوها لأسباب عديدة، و العلاقة بين المواطن و مؤسسات دولته تفرض أشكالا متعددة من الأساليب و منها الاحتجاج و التظاهر السلمي، و نحن نعيش الدولة و نؤمن بحتميتها وأن لا رجعة فيها و من غير الممكن إقناع المواطن المؤمن بدولته بأن بعض سلوكياته الشرعية مؤجلة إلى حين .
بالمقابل ليس على المواطن الصحراوي استغلال مخاوف نظامه ومحاذيره و استعمال الاحتجاجات في غير مواطنها، ليس عليه تنظيم الوقفة الاحتجاجية نكاية بالسلطة، كونها مظهرا يعكس بشكل أو بآخر دعايات العدو المغربي، من قبيل كون اللاجئين محتجزين أو دليل ممارسات دكتاتورية قمعية منسوبة كذبا لسلطة الدولة الصحراوية، على المواطن ممارسة حقه في الاحتجاج ما سدت الأبواب أمامه،حين تكون موصدة دون صوته.
لا قلق على الصحراويين البتة، فهم يعيشون رغم كل ما يعانونه دولتهم المدنية التي أسسوها ذات فبراير أبلج، يؤمنون بها وبمؤسساتها، لهذا يمارسون حقوقهم في التعبير عن مكامن الخلل في تسيير ممتلكاتهم و يفرضون رقابة على أداء السلطة المختارة من صلب الشعب و قواعده، هم يعيشون حقوقهم الطبيعية التي يمنحها الشعور بالمواطنة و تسبلها شرعية الدولة.