اعتقدت و أنا أفتح رابط إلكتروني لمقال الصحفي عبد الباري عطوان عن زيارته موريتانيا، ضمنه مجريات لقاء خصه به الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، أني على موعد مع متعة القراءة، و أني سأكتشف موريتانيا أكثر بعيون عربي تخلف عنها طويلا و شك في عروبتها دهرا. توقعت أني سأجد وصفا ملونا، مضمخا بندى ورود الشرق و أزهاره، و مرايا عاكسة لعناق سنديان الشام وطلح تيرس زمور أو لحظة مضاجعةبين نهر النيل و ساحل المحيط الأطلسي..
شعرت بالخيبة الشديدة، بالخذلان، فمذ كان عطوان رئيس تحرير مجلة القدس العربي و أنا أتابع مقالاته و خطبه بشغف كبير، لم يكن عطوان أبدا كاتب المقال إياه.. نسب إليه دون شك و هنا لابد من طرح السؤال: هل يكتب عبد الباري عطوان مقالاته المذيلة بتوقيعه؟؟
و لربما صدق من قال أن عطوان متحدث لا كاتب، و لقد عرفنا كتابا مجيدين فاشلون حين الخطابة، و لربما يعمل لدى عطوان فريق كتبة يحرر مقالاته، و قد كشف سر ذلك مقاله عن موريتانيا.
كان مقاله سطحيا سخيفا، تجمعت معلوماته بتراكم فج، كأنما لملمت دون مراعاة الدقة من مقدمات و خواتيم تقارير متقادمة، جرفت جل معطياتها يوميات الحياة الموريتانية البارزة مواطن التأثير و التأثر الثقافي و السياسي و الاقتصادي أيضا. فكتب أو كتب له عن سمنة النساء و كونها مقياس للجمال و عن حفلات الطلاق و جاذبية المطلقات.. و كأنه لا إثارة بطبائع الشعب الموريتاني و عاداته غير حديث السمنة و الطلاق الممجوج، و كأن الشعب الموريتاني يعيش منذ قرون بعلبة مغلقة تمنعه التأثر بثقافات غيره من الشعوب، تكسبه عادات جديدة و تفقده أخرى، و هنا من الواضح أن عطوان لم يكتب عما رآه في موريتانيا الحديثة، و التي توارت فيها عادات " لبلوح" و تمارس فيها النساء الرياضة، و تراجعت فيها حفلات الطلاق و إن كانت المرأة بعد على مكانتها من التقدير و علو الشأن، و لو أن عطوان كتب بنفسه ملاحظاته لكتب عن أنموذج رابطة الصحفيات الموريتانيات صاحبات الدعوة الموجهة له كنافذة للحديث عن المرأة الموريتانية بدل الغرق في حديث السمنة و الطلاق البائد.
لم يكتب عطوان بتمحيص المحلل السياسي كما نعتقد معرفته، عن مخاض موريتانيا السياسي و عن قطيعة البلد المنشودة مع عهد الانقلابات، و عن ما يحيط بمسار تكريس الديمقراطية و دولة المؤسسات من متاريس و عوائق تفرضها الأوضاع الجيوسياسية، و معضلة القبلية و الجهوية التي تضرب أذنابها في مجتمع الدولة المستقلة منذ عقود.. بل ركن إلى الإشادة بالنظام الموريتاني القائم دون مقدمات، فكان بذلك سطحيا مواربا، كأنما يسعى لأن يسجل أنه كتب عن موريتانيا دون أهمية لمضمون ما كتب.
كتب عطوان عن لقائه بالرئيس ولد عبد العزيز، لكنه لم يصغ ذلك صياغة الصحفي الذي نخاله هو.. سأله إن كان سيركن للشعر بعد الرئاسة أم أن شغف السياسية سيعيده سيرته الأولى؟ لكأنما الشعر وظيفة قدرية في موريتانيا كل مزاولها، حتى الرئيس الذي لا يعلم عطوان سخريته من كل العلوم الإنسانية و على رأسها الشعر.
أكاد أجزم أن عطوان لم يكتب مقاله أبدا، أو أن في الأمر سر كبير، فصحفي كبير مثله لا يمكن أن يصف المملكة المغربية بأنها الجار الشمالي لموريتانيا و هو يعلم بأن ذلك غير صحيح و مصطلحاته هذه غير دارجة البتة في مقالات أمثاله من الصحفيين حول الشأن المغاربي خاصة ما تعلق بقضية الصحراء الغربية، كما أنه قدم سؤاله- حسب ما ورد في المقال - بقوله : قضية الصحراء.. لا الصحراء الغربية. و المعروف أن مصطلحات مثل أن المغرب جار شمالي لموريتانيا، و الإكتفاء بالرمز لقضية الشعب الصحراوي "بقضية الصحراء" ، مصطلحات صحفية لدى بعض المواقع الاخبارية الموريتانية، تلك التي تجعل من بتر إسم البلد محل النزاع و فرض حدود غير موجودة بين موريتانيا و المغرب نسبة لثغرة الكركرات مقاييس الحياد الموريتاني من قضية الصحراء الغربية.
كان الرئيس الموريتاني واضحا في موقفه من قضية شعب الصحراء الغربية، نفى أنها مجرد قضية مفتعلة بين الجزائر و المغرب كما يعتقد جل صحفي المشرق العربي، و قطع مع الاعتقاد بأن موريتانيا محايدة، و أكد بأن الفاصل الجغرافي و السياسي موجود بين المغرب و الموريتاني، و أن هذه الدولة التي يعترف بها نظامه يعيق اكتمال سيادتها الغرب وحده، ولا يحتاج موقف الغرب السلبي من جل قضايا العالم العربي تفسير.. لكن عبد الباري عطوان و إن لم يقدر على تحريف قول الرئيس محمد ولد عبد العزيز إلا أنه غلف فقرات مقاله بالمصطلحات المضللة و زخرفه بملاحظات من سبقوه بسنوات لاستكشاف موريتانيا.. فكان مقالا مكدسا مكررا، غابت فيه أهمية و توقيت الزيارة و حظوة لقاء رئيس يهم بالترجل طوعا و حوله نظراء اقتلعوا تباعا.