بعد الجمعة من أمس فقط ـ وفِي استطرادات حديثٍ على الغداء ـ حدثنا الأخ الأكبر الكاتب الصحفي الأستاذ أحمد محمد المصطفى، عن صفحات من تاريخ حرب الصحراء، روى فيها لمحات من شجاعة وبطولة القائد العقيد محمد محمود ولد أحمد لولي، فقيد الأمة الموريتانية اليوم، رحمه الله..
كان الفقيد لفترة من الحرب يشغل وظيفة في قيادة الأركان بنواكشوط، لكنه كره أن يستمر في الظل، ورفاق سلاحه في الميدان، فجاء إلى قائد الأركان، وكلمه في تحويله إلى الوحدات المقاتلة في الميدان، فلم يعد باستطاعته تحمل التخلف عن الحرب، فاستجاب قائد الأركان لرغبته، وحوله إلى جبهة القتال، وهذا في ذاته شجاعة كبيرة..
في إحدى معاركه، وقعت سيارة متقدمة من وحدته في كمين، استشهد العناصر الذين كانوا على متنها، باستثناء جندي مصاب في الجزء السفلي من جسمه، حاول القائد محمد محمود انقاذه بطرق مختلفة، وكان العدو في التصدي عند كل محاولة، وأثناء ذلك تلقى تعليمات بضرورة الانسحاب من المكان، لكن لم تسمح له نفسه بترك ذلك الجندي الجريح خلفه، فعرض على سائقه ـ دون أن يأمره ـ مرافقته في محاولة إنقاذ جديدة، وقبل السائق، فأعطاه فكرة عن الخطة، وبشكل خاطف مر بمحاذاة الجندي في السيارة، وأمسك بحزامه العسكري، وسحبه بقوة، وقناصة العدو يرمونه، فأصيب في الذراع والكتف، ورغم ذلك تمكن بفضل قوته البدنية، وبسالته من نقل المصاب إلى سيارته، لينسحب بها السائق بعيدا عن مرمى قناصة العدو..
أتذكر من الأشياء العامة الأولى علقت بذهني، أحاديث الأكابر عن استقالته، واعتزله الرئاسة زهدا، وورعا، وأذكر أني سمعت عن السبب المباشر لذلك، قصة لم أحققها، فيها أنه تفقد ليلة عَشاء عناصر الحراسة حول القصر، فلم يعجبه، فرجع إلى منزله، وحرر استقالته ليلا، وحدث من حوله أنه إذا كان يمكن أن يفوته حال من يجاوره في القصر، فكيف بأحوال المواطنين، في أنحاء البلاد..
اليوم، على هامش الحديث عن رحيله، حدثني الأخ الأستاذ يعقوب السيف، أنه كان كلما رآه من الخلف في المسجد، تذكر ما قرأ أو سمع عن التابعي الجليل سعيد بن المسيب رضي الله عنه، فقد كان القادم إلى المسجد لا يرى وجه محمد محمود رحمه الله لأنه أول من يأتي، وآخر من ينصرف..
تواترت الأخبار، واتفق الناس ـ ويندر أن يتفقوا ـ على زهد هذا الرجل، وورعه، وعبادته، وصلاح شأنه كله، وحسن تربيته لذريته، وهو إلى ذلك من حفظة القرءان، المحافظين على تلاوته، الواقفين عند أحكامه، ولا أعرفه عن قرب، ولكن العلامة سيد عبد الله ولد الحاج إبراهيم، رحمه الله، يقول في مراقي السعود:
واقطع بصدق خبر التواتر <> وسو بين مسلم وكافر
هذا، وأشهد الله أني - بصفتي مواطنا موريتانيا - أسامحه، وأعفو عنه، وأحلله من كل حق لي تعلق به أثناء توليه ما تولى من الشأن العام..
أُعَزِّي فيه كل الموريتانيين، وعائلته الخاصة والعامة، وأصدقاءه ومحبيه، أعظم الله الأجر فيه، وأحسن العزاء..
اللهم إن محمد محمود ولد أحمد لولي، في ذمتك، وحبل جوارك، فقه فتنة القبر، وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، فاغفر له وارحمه، إنك أنت الغفور الرحيم..
أحمد عبد الله المصطفى