يكشف تسيير ملف مقبرة "النيبرش" -التي ربما تعني "أهل الجنة" باللهجة الصنهاجية، ويبدو أنها من أقدم المقابر حيث يرجع تاريخها إلى مطلع القرن السابع عشر، وهي تقع جنوب كلية الطب ومستشفى أمراض القلب.. شرق مركز هوائيات الإرسال على طريق نواذيبو، وتعود لإحدى مجموعات السكان الأصليين لهذه المنطقة التي أقيمت عليها العاصمة أنواكشوط ابتداء من النصف الثاني من القرن العشرين- عن ارتباك شديد وغياب أي تنسيق جدي للعمل الحكومي بين القطاعات المعنية بخصوص تدبير هذا الملف. ولعل أغرب ما في الموضوع هو حالة التجاهل والإستهتار التي قوبلت بها حتى الآن تظلمات واحتجاجات المواطنين المعنيين بالموضوع من أحفاد نزلاء تلك المقبرة العتيدة..
أتذكر منذ قرابة عشرين سنة، عندما كنت مع زملاء آخرين طلابا في باريس، أن أزمة حضرية كبيرة كانت تعيشها المدينة آنذاك، وقد أدت إلى نشوب نزاع كبير عندما اعترضت مجموعات من السكان المحليين في ضاحية "رواسي"، على بناء مدرج إضافي لمطار "شارل ديغول".. بحجة أن ضجيج الطائرات سيقض مضاجعهم.. وأن تلوث الهواء سيؤثر على صحتهم..
وقد قدر لبعض زملائي في الدراسة أن أتيحت لهم -كمتدربين- فرصة المشاركة في عمل الآلية التي أسندت لها الدولة مهمة النظر في ذلك النزاع وإيجاد حلول مناسبة له.. وكان ذلك الزميل يحدثنا كل أسبوع عن مستجدات الملف.
في نهاية المطاف، توصلت الآلية -التي كانت تضم وسيط الجمهورية، وبعض الحكماء من الإداريين المتقاعدين، إضافة إلى ممثلين عن جمعيات السكان المحليين ونشطاء من المجتمع المدني- إلى حلول بالتراضي، يجد فيها كل طرف ذاته وتحقق له جزء من تطلعاته كما تصون له بعض حقوقه الأساسية.. وهكذا حُلّتْ المشكلة بالحوار والتشاور والتفاهم، ودون أن تحاول الدولة أن تتغوّل على المجتمع.. حدث هذا في فرنسا وهي من هي في التضخم الدولتي.. وهيمنة البيروقراطية..
أما نحن.. أهل لخيام.. الذين مازلنا كاتبين الألف والباء في الدّولَنّة، أما آنَ للدولة عندنا أن تخرج من شرنقة عقلية "دولة كبّتال" لتصبح دولة الجميع حقا؟ وتعطي العافية لمقبرة "النّيبرش" ولغيرها..