حتى نهاية المعركة...المعارضة تتحسر على الأموال المجمدة.
إذا كان المال عصب الحرب فهو أيضا غذاء السياسة. ذلك ما يفسر سخط معارضتنا "الوطنية" على قرار وكيل الجمهورية، حسب روايتها، تجميد أرصدة رجلي أعمال يخضعان لمتابعات قانونية. فلو لم يتعلق الأمر بمال يراد له أن يلعب أدوارا سياسية مشبوهة لكان لمعارضتنا "الوطنية" شاغل في الحملة عن تتبع أخبار القضاء والمال ورجال الأعمال. لكن الحقيقة هي ما أورده أحد الكتاب القريبين من رجل الأعمال استهجن بيان المعارضة "الوطنية" لغة.."البيان المشترك بين المنتدى والتكتل[...] كانت لغته غريبة حد التواطؤ و "مريبة" حد الخجل."، وسخر من مضمون.."هذا البيان (سليم الصدر)"، حين صرح بأن أمر وكيل الجمهورية جاء "لمنع تقديم يد العون لها [المعارضة] لكي لا تستطيع تمويل حملاتها..."
وإلى نفس المعنى ذهب بيان تواصل الذي انفرد به عن المنتدى والتكتل كما هي عادته. فقد ربط بين الاجراء والاستحقاقات السياسية فندد به.."...بحكم توقيته المتزامن مع استحقاقات انتخابية حاسمة..."من كل ذلك يتضح أن الأموال المجمدة مال سياسي أدخر للتأثير على شفافية العملية الانتخابية وإفساد ذمم الناخبين لصالح معارضة يتحكم فيها رجل أعمال مطلوب للعدالة.بلغ به التحكم فيها حد اقتراح المرشحين على لوائحها من بين رجاله الذين لم يكن لهم شأن بالسياسة!!!
غير أن التكتل والمنتدى قررا صياغة بيان يعتمد التضليل وسيلة للإقناع. يبدأ التضليل بوصف الرجلين بالوطنية، وهما، في الواقع المالي، رجل واحد! فأين الوطنية في استثمار الأموال الطائلة في تجارة السجائر لقتل المواطنين! وأين الوطنية في الاستثمار في مجالات الربح السريع والمضمون (الخدمات المالية، والسلع الاستهلاكية). لم يشيد ممول المعارضة مصنعا واحدا، ولم يستثمر في مجال الزراعة، وإنما في الاتصالات وشركات الخطوط مع الأجانب.
ولعل نشاطه الأكثر وطنية تمثل في عملية النهب التي ابتدعها حين كان مصرفه يكتظ بودائع الشركات العامة الكبرى مثل شركة المياه والكهرباء والشركة الوطنية للمعادن... ابتدع ممول المعارضة نظام الحساب الدائن الذي تودع فيه الشركات العامة كل أموالها، والحساب المدين الذي تصرف منه بفائدة قد تصل إلى ثلاثين في المائة! بمعنى أنه يقرض الشركات أموالها بفوائد ربوية فاحشة، ويخصم ديونه من حساباتها لديه.فلا تستطيع الشركات سحب أموالها بشكل مباشر، وإنما عليها أن تقترض بفوائد فاحشة أموالها من البنك الذي تودعها فيه! جل الموريتانيين على علم بعملية النصب هذه، وعلى علم أنها سبب الخلاف بين ممول المعارضة وهذا النظام الذي أمر بوقف نهب الشركات العامة بهذه الطريقة الوقحة.. فمن هو الوطني في هذه الحالة؟
يطلعنا البيان على اهتمام المعارضة بحركة أموال ممولها فهي على دراية بقيمة الأموال المجمدة.."...قد طالت مئات الملايين من الأوقية." دون تحديد ما إذا كانت قديمة أم جديدة!! وتعرف المعارضة بالضبط أوجه صرف هذه الأموال."...التي كان رجل الأعمال...يدخرها للصرف على مستشفى العيون الذي شيده،..." هنا تعود المعارضة "الوطنية" إلى التضليل؛ فمستشفى العيون شيدته، وتصرف عليه خيرية شركات الدخان التي يمثلها ممول المعارضة، وهي تشيد مستشفيات للعيون في بلدان عديدة ذرا للرماد في العيون لتغطية ما تسببه تجارتها من أمراض سرطان الحنجرة والرئتين. ولا تعرف للرجل مؤسسة خيرية غيره عكس ما يؤكد البيان، "من بين أعمال خيرية كثيرة أخرى،" دون أن يذكر مثالا واحدا! ويستمر التضليل بالإفراط في المبالغة حين يدعي البيان أن مشفى العيون "يتعالج فيه مجانا مئات الآلاف من المواطنين المحتاجين..." فليست أمراض العيون منتشرة إلى الحد الذي تعانيها مئات الآلاف، ولا تستطيع المشفى، في حجم بنايتها، ولا تنوع تخصصاتها، تقديم خدمات لهذا الرقم الجزافي. ولو أجري تدقيق لعدد مراجعيها منذ افتتاحها لما وصلوا لهذا الرقم!!!
يهتم البيان بحركة أموال ممول المعارضة في اتجاه آخر يعد شأنا خاصا بعيدا عن اهتمام الأحزاب والتكتلات السياسية..."كماطالت... ودائع كانت تعيش من ريعها أسر رجلي الأعمال."، ومن المعلوم أن ريع الودائع المصرفية ربا خالص... وينتهي البيان بتناقض صارخ؛ فقد حدثنا عن مئات الآلاف الذين يتلقون علاجات مجانية، لتصبح في خاتمة البيان.."حرمان مئات الموريتانيين من علاجات حيوية ومجانية." إنها مشفى العجائب! غير أن ما يميز البيان هو تعبيره الصادق عن صراعات المعارضة؛ فقد عنون ب"أصدر المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة وحزب تكتل القوى الديمقراطية بيانا مشتركا..."، وانتهى ب"تكتل القوى الديمقراطية والمنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة." ربما كان هذا الصراع على الصدارة هو ما حدى بتواصل إلى إصدار بيان وحده لا شريك له فيه...لكنهم جميعا شركاء متشاكسون في أموال الممول كما أظهرت التسجيلات المسربة...