القدس العربي : عقد مجلس الأمن الدولي، مساء أمس الأول الأربعاء، أولى مباحثاته المتعلقة بتطورات ومستجدات ملف الصحراء بعد صدور القرار الأخير رقم 2414، من خلال جلسة مغلقة تترأسها السفيرة البريطانية الدائمة لدى الأمم المتحدة كارن بيارس.
وناقش أعضاء مجلس الأمن الدولي إحاطة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة هورست كولر، المقدمة عقب زيارته إلى المنطقة، والتي استهلها في 23 حزيران/ يونيو حتى فاتح تموز/ يوليو الماضي من الجزائر العاصمة، مرورًا بالعاصمة الموريتانية نواكشوط، ثم مخيمات تندوف، ثم المغرب حيث زار العاصمة الرباط، ومدن العيون والسمارة والداخلة الصحراوية.
وقدم هورست كولر، بناء على طلبه، إحاطة أمام مجلس الأمن الدولي تتعلق بإحاطة اعتيادية وغير مفاجئة لم يعقبها صدور أي بيان أو تصريح عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وكشف الوسيط الألماني خلال الجلسة المغلقة الخاصة بملف الصحراء، مستجدات عملية إذابة الجليد وتقريب وجهات النظر التي بدأها منذ توليه عملية التسوية السياسية، لجمع الأطراف المعنية بالنزاع حول طاولات الحوار واستئناف مسلسل المفاوضات المتوقف منذ ثماني سنوات تقريبًا.
المجلس يدعم مهمة المبعوث الدولي
وفي ختام المشاورات المغلقة لمجلس الأمن، قال السفير البريطاني الممثل الدائم بالنيابة لبلاده في الأمم المتحدة، جوناثان ألن، الذي تتولى بلاده رئاسة المجلس لهذا الشهر، إن «هورست كولر لقي دعمًا كبيرًا من قبل المجلس لمقاربته ولمقترحه بمحاولة معرفة ما إذا كان بإمكانه الجمع بين الأطراف قبل نهاية السنة. وأكدنا جميعًا على أهمية المشاورات مع جميع الأطراف المعنية».
وأضاف ألن أن «المبعوث الشخصي أدرك فحوى الرسالة المتعلقة بضرورة إجراء مشاورات مسبقة ومعززة مع جميع الأطراف المعنية. وأنا مقتنع بأنه سيقوم بهذا الأمر، بما في ذلك ما يتعلق بالمعايير والشكل وباقي الأمور».
وأعلن هورست كولر عزمه تقديم دعوات رسمية من أجل بدء المفاوضات إلى كل من المغرب وجبهة البوليساريو باعتبارهما طرفين مباشرين، وإلى الجزائر وموريتانيا بصفتهما دولتين بعضوية مراقب في الملف، في أيلول/ سبتمبر المقبل، مع بدء المفاوضات في حالة الموافقة في تشرين الأول/ أكتوبر، قبيل عقد مجلس الأمن دورة اجتماعات ذات صلة بالنزاع الصحراوي.
وعبر الوسيط الأممي، من خلال توجيه دعوات إلى كل من الجزائر وموريتانيا، في أيلول/ سبتمبر المقبل للجلوس على طاولة الحوار مطلع شهر أكتوبر، عن تأثير الدور الذي قد تلعبه الدولتان في الخروج بالملف نحو الحلحلة، خاصة الجزائر المحتضنة لجبهة البوليساريو على أراضيها.
ومن المقرر أن يُقدم الألماني كولر إحاطة جديدة أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي، في 31 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، حول نتائج الجولة الأولى من المفاوضات، بالتزامن مع تقديم الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة تقريره الخاص بنزاع الصحراء، ودعا كولر كل الأطراف إلى تلبية الدعوة دون شروط مسبقة، مشددًا على أن إجراء اللقاء الأول من نوعه منذ تولي مهمة الوساطة الأممية، من شأنه أن يشكل حافزًا مهمًا للدفع بعجلة المخطط الأممي لتسوية هذا النزاع.
المغرب يتحفظ على المفاوضات المباشرة
وقالت تقارير الأمم المتحدة إن كل الدول المنتمية إلى مجلس الأمن عبرت عن دعمها الكامل لإحياء مسار التفاوض بين أطراف النزاع، داعية إلى الالتزام بتنفيذ بنود القرار 2414، بحضور ممثلي الدول دائمة العضوية في المجلس نفسه، بالإضافة إلى الدول غير دائمة العضوية: السويد وهولندا وبولندا وبوليفيا والبيرو، إلى جانب كازاخستان والكويت والكوت ديفوار وغينيا الاستوائية وإثيوبيا.
ويأتي هذا الطلب الموجه من مجلس الأمن إلى المبعوث الشخصي للأمين العام الأممي تبعًا لتشديد المغرب، من خلال مساعيه لدى أعضاء مجلس الأمن، على أن «المملكة لن تقبل أي فكرة أو خطوة مقبلة بدون التشاور معها وموافقتها المسبقة».
ويتحفظ المغرب على مفاوضات مباشرة مع جبهة البوليساريو ويسعى للقاءات ثنائية يقوم الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة مع المغرب والجبهة وأن تشمل هذه اللقاءات الجزائر باعتبارها طرفًا في النزاع.
وقال المغرب إنه ومراعاة لمطلبه، أدرك أعضاء مجلس الأمن أنه لا يمكن التوصل إلى أي حل لمشكلة الصحراء دون موافقة المغرب، وأنه بالنسبة للرباط، كما لأعضاء مجلس الأمن على حد سواء، يجب أن تتم إعادة إطلاق العملية السياسية في إطار من الشفافية والتشاور والحوار مع جميع الأطراف، خاصة المغرب والجزائر.
وقالت وسائل الإعلام المغربية نقلًا عن مصادر دبلوماسية في مجلس الأمن: فقد أعرب كولر عن شكره للسلطات المغربية على تيسير زيارته إلى الأقاليم الصحراوية، و»ثمن تمكينه من الالتقاء، بكامل الحرية، بمختلف الأشخاص الذين رغب في مقابلتهم، والاطلاع عن كثب على الطفرة الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها المنطقة»، وأن العديد من أعضاء المجلس رحبوا بالأجواء التي جرت فيها الجولة الإقليمية للمبعوث الشخصي، لا سيما زيارته إلى الصحراء.
وأضافت أن الغالبية من أعضاء المجلس عبرت عن الارتياح لنتائج مختلف اللقاءات والزيارات التي قام بها كولر، داعين إياه إلى مواصلة العمل والتفاعل مع جميع الأطراف للحفاظ على زخم إحياء المسلسل.
المغرب يشترط انخراط الجزائر
وقالت وكالة الانباء المغربية إنه بمجرد الإعلان عن تقديم هذه الإحاطة، قام المغرب بمساع دبلوماسية مكثفة لدى أعضاء مجلس الأمن في نيويورك، وبالرباط وبالعواصم، للتعبير عن التعاون الكامل من أجل إنجاح زيارة كولر، وإن المغرب شدد على أولوية القيام بتقييم معمق وشامل لفحوى المباحثات بين المبعوث الشخصي والأطراف، وضرورة مواصلة حوار شفاف ومسؤول وهادئ لضمان إعادة إطلاق المسلسل السياسي.
وأكد المغرب أنه لا يمكن أن يكون هناك حل للنزاع الإقليمي حول الصحراء دون التشاور معه ودون انخراط الجزائر، معتبرًا إياها الطرف الرئيسي المسؤول عن نشأة هذا النزاع واستمراره.
وذكرت الوكالة أن مجلس الأمن طلب في قراره رقم 2414 بتاريخ 27 نيسان/ أبريل 2018 من البلدان المجاورة وبينها الجزائر، «تقديم مساهمة مهمة في هذا المسلسل وإبداء التزام أكبر من أجل المضي قدمًا نحو حل سياسي»، وقالت إن المغرب وخلال مختلف اللقاءات مع المبعوث الشخصي، منذ تعيينه، أعرب دائمًا عن التزامه بالمسلسل الأممي على أساس أنه «لا لأي حل لقضية الصحراء خارج سيادة المغرب الكاملة على صحرائه، ومبادرة الحكم الذاتي التي يشهد المجتمع الدولي بجديتها ومصداقيتها»، كما ورد في خطاب العاهل المغربي الملك محمد السادس في تشرين الثاني/ نوفمير 2017.
وعبرت السلطات المغربية عن ارتياحها للدعم الذي قدمه مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة لمقترح المغرب للحكم الذاتي في الأقاليم الصحراوية، وتأكيد المنظمة الأممية على دور الجزائر كطرف في النزاع. ونقل موقع le360 عن متحدث رسمي مغربي أن «ليس هناك حل لملف الصحراء خارج سيادة المغرب كاملة على أقاليمه الصحراوية، وكذا خارج مبادرة الحكم الذاتي التي اعتبرها المنتظم الدولي مبادرة جادة وواقعية»، فالتجارب السابقة تجعلنا نعتبر أن «المشكل ليس في إيجاد حل للملف، ولكن في الوصول إلى المسار الذي يجب سلكه لحل النزاع»، وإن «على الأطراف الأساسية في النزاع المفتعل تحمل مسؤوليتها وأن تسهم في إيجاد حل نهائي للملف»، مع التاكيد أن المغرب يرفض بشكل قاطع أي محاولة للمس بحقوقه الشرعية ومصالحه العليا، وتحريك مسار الملف خارج قرارات مجلس الأمن الأممي.
وأكدت جبهة البوليساريو التزامها بالتعاون الكامل مع المبعوث الشخصي في إطار العملية السياسية للأمم المتحدة، وعلى استعداد للانخراط في عملية التفاوض على نحو ما دعا إليه مجلس الأمن، وأنها ترى في جهود المبعوث الشخصي منذ توليه منصبه عاملاً مشجعًا، وهي تحث الأمم المتحدة ولا سيما أعضاء مجلس الأمن، على الوفاء بمسؤوليتهم بما يتماشى مع مبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومع الاحترام الكامل لحق الصحراويين في تقرير المصير والاستقلال.
وقال سيدي محمد عمار، ممثل الجبهة في الأمم المتحدة، إن جبهته ترى في الجهود التي يبذلها المبعوث الشخصي كولر عاملاً مشجعًا، وهي تؤيد تلك الجهود لإعادة إطلاق عملية الأمم المتحدة للسلام المتوقفة منذ فترة طويلة»، ومستعدة وراغبة في الذهاب إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى حل عادل وسلمي ودائم للنزاع. ودعا زعيم جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، نهاية الأسبوع الماضي، المغرب إلى الشروع في مفاوضات مباشرة مع الجبهة بـ»حسن نية وبدون شروط مسبقة» للتوصل إلى حل للنزاع، وإنه مستعد للتعاون مع جهود الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي لإيجاد حل للقضية.