حتى نهاية المعركة.. وما علي...
تروي الحكاية أن أبا نواس مر بحلقة درس فسمع تلميذا يسأل معلمه:" لماذا يقول بشار.. "وقل لي هي الخمر" وهو يراها رأي العين؟" قال المعلم:"يا بني! إن أبا نواس يريد إشراك جميع حواسه في التلذذ بالخمر؛ البصر والذوق والسمع... لذلك حث الساقي.."وقل لي هي الخمر"... قال أبو نواس: والله ما خطر لي هذا المعنى على بال! تلكم إحدى جماليات النصوص المكتنزة بالدلالات؛ يسمو بها أصحاب الذوق الرفيع إلى فضاءات واسعة قد تتجاوز خيال مبدعها، ويهوي بها صغار شراح عصر الانحطاط إلى وهاد الحاشية والتعليق يشرّحون جثة النص ليضعوا مبدعه "على السفود"... يمتطون النص للإغارة على كاتبه متسللين عبر دروب التأويل المظلمة متنكبين سبيل البيان، ناصبين الفخاخ بين الحروف لتحريف الكلم... إنهم "نحارة" النص. باعة متجولون ينفقون بضاعتهم الكاسدة بالحلف أن الكاتب قصد المعاني التي تعودوا المناداة عليها في بسطاتهم على رصيف المعرفة.. التحريض، الاتهام، الوشاية...
حين نظّر بارث لموت الكاتب أراد أن يحرر النص من سلطة مبدعه، ليستولي عليه القارئ. لكن بارث كان يفكر في قارئ على صورته ولم يفكر قط في قطيع الضباع الذي يتسلل عبر النص لينهش مبدعه!!! اعتقد بارث أن موت الكاتب إزاحة لمعنى محدد لصالح معاني تتعدد بتعدد "القراء". قصد بارث "الدرجة صفر للكتابة"، ولم يفكر قط في "الدرجة صفر في القراءة" (عنوان مقال يتمنون موت كاتبه) درجة التأتأة في التهجي، وبلادة الفهم، حين يتقمص "القارئ" شخصية "المحقق كونان" للقبض على دليل إدانة الكاتب... يقول الشاعر السوداني عبد الرؤوف بابكر في رائعته.."وترية الهاجس والحرف"...
الحرف الراعف
بات سجينا
لا تتعجب أكتب …….. لكن أكتب
بعض الأسطر منها أشطب
أوضح معنى الحرف الأحدب
هذا يعنى أنك مذنب … هذا مذهب أنك تكذب أنك تلعب
بين الهمز وبين اللمز … بين الغمز وبين الرمز
وحرف النون
أو تتلاعب بالألفاظ وبالمضمون...
ما أنا إلا كاتب رفض أن يموت فحظي بقراء من الدرجة صفر فقرر أن يتلاعب بهم حين يرسم بالكلمات.. فلا تطلبوا مني حساب حياتي... "وما علي"...