تعليق على جزء التراويح "27" / الدكتور إفاه ولد الشيخ ولد مخلوك ـ المدينة المنورة

ثلاثاء, 12/06/2018 - 00:21

التراويح "27"
 إنها ليلة 27 من رمضان، والإمام يرتل من سورة الحديد تبدأ بالأمر بالتسبيح الذي ختمت به "الواقعة، والحديد سورة مدنية، تأمر بالإنفاق وتفصل في جزئها الأول بعض ما ورد في السور السالفة من أهوال يوم القيامة، لكنها تركز على  ثنائية المؤمنين والمنافقين" يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آَمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ..."، وهذا مما يرسخ مدنيتها، لأن القرآن المكي يتحدث غالبا عن المؤمنين والكافرين في سياق الوعد والوعيد،  وفي السورة دعوة المؤمنين للالتزام بأوامر الشرع ونواهيه؛ حيث بدأت الأوامر بالإيمان وربطه بالإنفاق مما يدل على قيمة الإنفاق ورتبته العظيمة في الدين الإسلامي: " آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ" كما ورد الأمر بالخشية التي هي مفتاح الطاعة " أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ..." 
سورة "المجادلة" مدنية تشترك مع الحديد في ذكر منن الله عز وجل؛ ثم تحدثت السورة عن المعاملات، فكان بعضها متعلقا بأحكام العلاقات الأسرية كالظهار: "وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ..." وكان بعضها مرتبطا بالعلاقات الاجتماعية العامة الشيء الذي نلمسه في النهي عن النجوى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ"، والدعوة إلى التفسح في المجلس: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ..."، ثم ختمت السورة بالحديث عن المنافقين، والتحذير من الخيانة وبيان عاقبتها متجسدة في مصير المنافقين يوم القيامة، وهي ـ بذلك ـ تحذر من صفات المواطنة الدنيئة من شقاق ونفاق، وتلك صفات حزب الشيطان "ألا إن حزب الله هم المفلحون"
 "سورة الحشر" مدنية تتحدث عن اليهود  وشنآنهم المتكرر تتكلم عن جلاء "بني النضير" بعد خيانتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ومشاقتهم لله ورسوله: "وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (*) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ..." ثم تحدثت السورة عن أحكام الفيء  وكيفية استخدامها وصرفها: "مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ..." ثم تحدثت عن المنافقين، وفضحت تحالفهم السري مع اليهود، وبينت ما في أخلاقهم من انحراف متجلٍ في الخديعة والمكر والكذب، كما بينت ضعف هذا الحلف، وهشاشة أصحابه الذين"تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ" كما مدحت السورة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار، مبرزة تضحية المهاجرين بأموالهم ومساكنهم في سبيل الله، وإيواء الأنصار لإخوانهم المهاجرين وإيثارهم على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة، وفي السورة إشارة واضحة إلى عظمة المهاجرين والأنصار، وفيها نهي عن معاداتهم وبغضهم كما يشير إليه الدعاء في قوله تعالى: " وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ" ثم تتحدث السورة في ختامها عن عظمة القرآن الكريم حديثا عجبا لا نجد له تفسيرا أحسن من نقله: "لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" ثم تختم السورة بالحديث عن عظمة منزل القرآن، وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن من تدبر القرآن حق التدبر علم أنه تنزيل من حكيم حميد، وأن منزله "هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ..." 
" سورة "الممتحنة" إنها مدنية  تنزلت في سياق فتح مكة، وبدأت في جزئها الأول تتحدث عن العلاقة بين المؤمنين والكفار المحاربين، وتنهى عن تولي الكفار المقاتلين والركون إليهم كما فعل حاطب بن أبي بلتعة حين راسل المشركين بشأن عزم النبي على فتح مكة، وفي الجزء الثاني تتحدث السورة عن المؤمنات اللواتي يهاجرن من دارة الكفر إلى دار الإسلام زمن الحديبية وتأمر النبي صلى الله عليه وسلم بعدم إرجاعهن إلى الكفار إن تبين بعد الامتحان إيمانهن، ومن ذلك الامتحان أخذت السورة اسمها، وفي ختام السورة تبيان للأركان التي يبايع عليها النبي صلى الله عليه وسلم النساء حين الدخول في الإسلام.
سورة "الصف" مدنية تتحدث عن الجهاد في سبيل، وتدعو إلى الاتحاد، والاعتصام بعروته "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ" كما تدعو إلى تطابق القول والفعل " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (*) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ"كماتتحدث السورة عن صحة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وعن إخبار عيسى للنصارى بذلك، وفي السورة ـ كذلك ـ بشارة للمسلمين بقرب النصر والفتح،  إضافة إلى حثهم على الجهاد مما يشير إلى العلاقة القوية بين النصر والجهاد
... سورة "الجمعة"  مدنية تتحدث عن تفضل الله على عباده بإرسال النبي صلى الله وسلم إليهم، ليعلمهم الكتاب والحكمة، ويخرجهم من الظلمات إلى النور، وفي السورة كذلك خطاب توبيخي موجه لليهود الذين لم يستفيدوا من التوراة التي جاءهم بها موسى وجاء التوبيخ في سياق تشبيه جميل، حيث شبهوا في حمل العلم وعدم الانتفاع به بالحمار يحمل الكتب على ظهره، كما تتحدث السورة عن وجوب صلاة الجمعة، وتحث عليها، ومن ذلك أخذت اسمها "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ..."، وفيها عتاب لمن تغيب عن صلاة الجمعة، وآثر اللهو والتجارة عليها. 
سورة المنافقون " إذا كانت بعض السور السالفة تخصص بعض آياتها للمنافقين على تفاوت في ما بينها، فإن هذه السورة خصصت للمنافقين، ولذلك جاءت فيها طبائعهم وأخلاقهم بارزة لا تخفى منها خافية، سواء تعلق الأمر بتعاملهم مع النبي صلى الله عليه وسلم: "إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ" إضافة إلى هيئتهم وصورة أجسامهم، كما تحدثت عن مناجاتهم في ما بينهم، ونقلت أقوالهم  التي يمسون فيها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين،  وختم الصورة بمخاطبة المؤمنين والدعوة إلى الإنفاق 
سورة "التغابن " مدنية  تتحدث عن الإيمان بالله ورسوله والنور الذي أنزل، وتبين أن الحياة الأخروية هي حياة التعابن؛ حيث يبدو الفرق فيها كبيرا بين من آمن ومن كفر، وفي السورة حث على طاعة الله، وحض على الإنفاق في سبيله. 
سورة "الطلاق" مدنية تتناول بعض الأحكام التي فرض الله على المؤمنين، تبين وقت الطلاق، وفترة العدة وأنواعها، كما تحث على معاملة النساء بالتي هي أحسن، فإما الإمساك بمعروف، أو التسريح بإحسان  
 سورة" التحريم "  تتنزل سورة التحريم في سياق عتاب النبي صلى الله عليه وسلم على تحريم بعض ما أحل الله، مما يدل على أن التحريم والتحليل خاص بالله لا يشاركه فيه مخلوق، والسورة تتحدث عن السر الذي أسر به النبي إلى حفصة فأفشته ثم أطلع الله رسوله عليه، ودعا أمهات المومنين للتوبة، ولزوم طاعة رسول الله،  وضرب لهن الأمثال بمصير النساء الكافرتين اللتين كانتا تحت النبيين: نوح ولوط، وضرب امرأة فرعون نموذجا للمرأة الصالحة تحت الفاجر، مما يدل على أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، وأنه للإنسان إلا ما سعى. 
الدكتور: افاه ولد الشيخ ولد مخلوك

تصفح أيضا...