
التروايح "14"
سورة الإسراء تقصد مقاصد السور المكية جميعا من التوحيد والإيمان غير أنها اشتملت على أحداث جمة بعضها يشرحه الواقع المشاهد الآن " هداية موسى عليه السلام لبني اسرائيل " وقضاء الله عليهم بالإفساد مرتين في الأرض؛وقصصهم مع الأقصى المتكررة فك الله أسره ورد كيدهم في نحورهم مدحورين أينما ثقفوا ...
ثم تهتم السورة بالقرآن كثيرا "إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم " وتبين السورة سبب تسميتها بحادثة "الإسراء" والتي كانت مكرمة لنبينا عليه الصلاة والسلام بعد مالقيه من قريش في مكة حينها؛وماكان "في الإسراء والمعراج" وقصص ذلك معروفة معلومة جلية ....
وإن السورة لتناسب سابقتها كثيرا يتضح ذلك من خلال ذكر "النحل " لأهل السبت واختلافهم " وهنا ذكر تشريعهم وتبيانه في التوراة ؛ كما ذكر الشفاء من بطون النحل ؛ذكر هنا الشفاء بالقرآن "وننزل من القرآن ماهو شفاء " وبالنحل "الأمر بإيتاء ذوي القربى وهنا زيد بالمساكين وابن السبيل "وآت ذا القربي حقه والمسكين ..." في إشارة لصرف المال في المكان المناسب .
لترشد السورة لأمور عظيمة (بر الوالدين) "وقضى ربك ..."(الولد) "ولا تقتلوا أولادكم " (الدين والعقل والصحة والأنساب والأخلاق العامة والفطرة "ولا تقربوا الزنى ..."(الأمن العام ) ولا تقتلوا النفس التي حرم الله ..."( حقوق الأقارب ) "ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا " (الاقتصاد) "أوفوا الكيل إذا كلتم " تقنين الإعلام والفتوى "ولا تقف ماليس لك به علم " السلوك العامة "ولا تمش في الأرض " كلها "ذلك مما أوحى إليك ربك " واشتملت على أخلاقيات وإرشادات عجيبة أخرى وأوامر مثل "الصلاة ؛ الحق ؛التهجد ؛القول الحسن ؛وتختم السورة بالسجود وفي ذلكم آية لعلكم تذكرون .
سورة الكهف:
هنا والإمام يقرأ يستحضر المؤمن ذلك السلوك الأسبوعي بقراءة "الكهف كل جمعة " لما في ذلك من ترغيب الإضاءة والعصمة من الدجال ؛ ويدرك المنصت أيضا أن القرآن المكي يوطد منهجيته العقدية الدعوية السلوكية الإيمانية؛ وسورة الكهف أجوبة من الله لأسئلة طرحت على نبيه عليه السلام ضمنها الله حكما عظيمة وفوائد جليلة؛تقص في سطورها الطاهرة خبر "أهل الكهف" ثم تبين فتنة العلم والتعلم "قصة موسى والخضر " وفتنة المال "صاحب الجنتين " وفتنة السلطان " ذو القرنين " وتفيض في فتنة إبليس لآدم وحواء؛ليكون المؤمن المدرك لحقيقة قصصها في كهف من هذه الفتن معتبرا بها ومحتاطالها؛وذلك مصداقا لفتتاحيتها ب "الحمد " تشاركها أربع سور قرآنية ذلك ...
بدأت السورة بذكر فضل القرآن "...قيما لينذر بأسا ..."ثم خبر أهل الكهف "إنهم فتية ..." وخبر الجنيتين "واضرب لهم مثلا رجلين ..." ثم المثل المضروب الآخر "واضرب لهم مثلا الحياة .." ثم كان ذكر "المال " البنون" الجبال " أهل الاجرام " ثم استفاضت الحديث عن موسى والخضر والملك الطواف؛لتكون ارشادات السورة عن الخسران والفلاح ؛"الأخسرين أعمالا " وعظمة القرآن "قل لو كان البحر مدادا" ثم الأمرببشريته صلى الله عليه وسلم و بنبوته وتشريفه ؛والتذكير بأن العزة كل العزة التقوى والإيمان ....
سورة مريم :
إنه الوحي المكي ذاته بقصصه ودروسه وأهدافه المعجزة المحيرة؛تناسبا لسورة الكهف بقصها الغريب العجيب؛فالعجب هنا أكثر وأشد للانتباه "ولادة يحيى ؛وولادة عيسى " عليهما السلام ؛وليست الافتتاحية بأقل عجبا تنويها بما سيكون بالسورة ومعاني ذلك لايعلمها إلا الله عز وجل .
تدخل السورة فورا في إرشاداتها للدعاء مؤسسة للارتباط بالله عزوجل "ذكر رحمت عبده زكرياء " حيث الولد من أم عاقر ووالد هرم؛والدعاء خفية " "..نداء خفيا " إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى " لتكون آيته وعدم تكليمه للناس آذنة للبشر من بعده بأخذ الحيطة وتبيان الأدلة والحفاظ على العرض والسمعة ؛ "قال رب اجعلى آية .."
وليس أمر البرور بذلك الحدث الهين "وبرا بوالديه " إنه البرور والوفاء والفطرة وإن نقيضه وصاحبه لمجرم حرب ومفتر على الله مخالف للفطرة السليمة والجبلة البشرية أعاذنا ربنا...
وهنا تسمت السورة "واذكر في الكتاب مريم ..." إنها العفة والطهارة والاستقامة وعرض الأهل وسمعة الأب والأم ؛والخوف من الخلوة حين تمثل لها الملك "قالت إني أعوذ بالرحمن منك ..." وحزنها "ألا تحزني " دال على أن الأمر لا يخطر لها ببال ؛ ثم يعاد البرور وأنعم بها من خصلة وسلوك ووفاء ...
لتأتي قصة "إبراهيم "ومحاولة إنقاذ الأب من النار ؛ووهب الولد الصالح له ؛وقصة "موسى وإسماعيل وإدريس " ليكون السجود شكرا لله عز وجل وعبادة له؛وصية بالصلاة ؛لتختتم السورة باستنكار التقول بأن لله ولدا تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا "وقالوا اتخذ الرحمن ولدا "
إن الذين آمنوا سيجعل لهم الرحمن ... الذي يجعل هو الله عز وجل وبتشريعه المنزل مع رسوله صلى الله عليه وسلم ...
ولله الأمر من قبل ومن بعد
الدكتور :افاه ولد الشيخ ولد مخلوك