ينظم متحف الفن الإسلامي، بقطر، والمنبر الثقافي الموريتاني بالدوحة،- هذه الليلة- أمسية شعرية موريتانية، رمضانية، على تمام التاسعة، مساء اليوم الإثنين 28-5-2018م. سأكون أحد منعشيها، مع الشعراء: الشيخ أحمد ولد البان، ومحمد أحيد ولد سيدي محمد، ومحمد ولد إمام.
لكن علاقة الشعر موضوعا، والمتحف مكانا، ورمضان زمانا، لا تبدو متناغمة في بديهة ذهنية التلقي العام، ولعل كسْر قاعدة «أفق الانتظار» هنا هو ما تراهن عليه هذه الأمسية، وقد لاحظت أنني في مقالات سابقة حاولت تجسير الصلة بين الشعر والمتحف من جهة، ورمضان والشعر من جهة أخرى؛ ففي مقالي عن «روح المتاحف»، المستوحى من أول زيارة للمتحف نفسه، قلت إن: «المتحف خزَّان تاريخ الأمم، ومُسْتودَعُ حضارتها، ومعرض تراثها، وقد جرت العادة أن يوفِّر للمشاهدين فُرْجَةً عابرة، على مَكْنوزاته، وهذه في الحقيقة هي وظيفته التقليدية، غير أن هذه الوظيفة ينبغي أن تتطور بتطور ذهنية المشاهد، وتطور نَبْضِ العَصْر، وتقنيات العَرْض، وآليات التلقي، وهذا ما يَسْتدعِي تجاوزَ فُرْجَةِ البَصَر، إلى عِبْرَة البَصيرة، وتَخَطِّي عالم الشهادة إلى عالم الغَيْب، عبْرَ الانتقال من هياكل المعروضات وأشكالها الشاخصة، وقراءة الأرقام المُحِيلَةِ على تواريخها المثبتة، إلى محاولة التقاط أرواحها المبثوثة في الفضاء، لنؤثث الذاكرة التاريخية، باستحضار الأحاسيس والانفعالات المُفْتَرَض تخزينُ تلك المعروضات لأنباضها، التي لا يشعر بها إلا ذوو الأرواح المرهفة من الشعراء والفنانين، الذين تخترق عيونهم كثافة الكتلة إلى معناها المُنْدَسِّ وراءها».
وهكذا سيصبح للمتاحف- بمراعاة هذا المنحى- رُوَّادٌ جُدُدٌ، يستحضرون خلفياتها، عبر معروضاتها، ويقرؤون ما بين السطور، أكثر من السطور ذاتها، فتدب الحياة وتضجُّ مِلْءَ جمود المعرض، وينكسرُ جدارُ الحِياد بين الزوَّار والمَعْروضات، وينسجم الحي بالجماد في حِوار حَميم، وتَفاعُلٍ خَلاَّق.
كما وجدتني كتبت في مقال آخر أن:
«علاقة الشعراء برمضان، يفترض فيها أن تكون علاقة خاصة، ذات بعد إشكالي، فبعض المؤمنين منهم بشيطانية الإلهامات الشعرية، سيعاني قلق القطيعة مع شيطان شعره المفترض أن يصفَّدَ في هذا الشهر المبارك، وبعضهم من مُدْمِني بعض المُتع الحسية، من المآكل والمشارب... سيشفق من تنظيم نواميس هذا الشهر لرغباته، وضبطه لشهواته، أما الشعراء، الذين حدد الله موقعهم بعد (إلا) من سورة الشعراء، فإنهم يستقبلون رمضانهم، مهيئين نفوسهم وطقوسهم للتسامي، في الأجواء الروحانية، ليتطهروا -قليلا- من دَرَنِ التراب المُخْلِد بكينوناتهم إلى الأرض، طيلة العام، غير ناظرين إلى الرَّمَض الذي تقمَّصه هذا الشهرُ اسمًا له، إلا باعتباره بردا وسلاما، ولا إلى الظمأ الجسدي الذي هو مظنَّتُه إلا باعتباره ارتواء للروح».
ومادام الشعر هنا مرتبطا بموريتانيا، «بلاد المليون شاعر» فلا غرابة أن يكسر مواضعات المكان والزمان وحتى الإنسان، لأن النسبة هنا استثنائية؛ وقد كتبت ذات مقال آخر أن «الشعر قَدَرُ الموريتاني، يتخلق معه، في رحم أمه، ويتقاسمُ معه مَهْده، وثَدْيَه، ومدارجَ صباه، ومَسارحَ لعِبِه ولهْوه، ومَعاهدَ تكوُّنِه، وتَعَلُّمِه، ومراعي حيواناته، يَتَسَوَّرُ عليه حتى مَحاريبَ عبادته، ومكاتبَ عمله، ومراكز تجارته....»
ومن هنا.. لا غرابة عندنا أن يكون «المتحف الموريتاني» قد تكرس منذ السنوات الأخيرة مكانا مفضلا للأمسيات الشعرية، كما لا نستغرب أن شياطين شعرائنا يبقون طلقاء في رمضان، حيث كتبت مستهل هذا الشهر الكريم من السنة الماضية، أنني قد قمت
«بجولة خاطفة، عبر صفحات بعض أصدقائي من شعرائنا خصوصا؛ لأتفقد «المليون شيطان»، الموزعة على «المليون شاعر» هناك، هل صُفَّدَتْ- كبقية المَرَدَةِ، والعفاريت- في هذا الشهر، أم ما تزال حرة طليقة تمارس مهمتها الإلهامية لقرنائها من الشعراء، حتى في رمضان، وكم قد كانت المفاجأة، حيث وجدت عددا من أصدقائي، استقبلوا اليوم الأول من شهر رمضان بالشعر، وحول رمضان نفسه، مما جعلني أفهم أن بعض شياطين الشعر في «بلاد المليون شاعر»، مسلمون، وليسوا من «المردة»، الجديرين بالتصفيد، بل ربما كانوا، يصومون هذا الشهر، ويقومونه، أفضل من قرنائهم من الشعراء أنفسهم».
مساء اليوم الاثنين موعدكم مع اكتشاف العلاقة بين موريتانيا والشعر والمتحف ورمضان.