التراويح "8"
سورة الأعراف كغيرها من السور المكية تتحدث عن قضايا إثبات الربوبية والتوحيد والألوهية وصدق الرسل صلى الله عليهم وسلم ؛إنها تعرض خلق البشرية من لدن آدم عليه السلام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛
وإن سورة الأعراف لهي أول الوحي المرتب بالمصحف يستعرض نماذج من صراع الحق والباطل ويفصل ذلك بشكل قص لخبر أنبيائه ورسله “نوح "هود " صالح "ولوط " وشعيب " وموسى " عليهم السلام وعلى رسولنا أفضله وأزكاه...
وصراع الباطل مع الحق يبينه الله تعالى ويفصله مرشدا سبحانه إلى أن الفساد ماحق ومخرب والحق معمر مقدم باق؛وأن الشيطان مفسد وحذرنا منه في نداءات أربعة في السورة "يابني آدم ..." ليكون الحذر منه ودعوته ووساوسه الخبيثة المهلكة دنيا وآخرة ..
إن السورة لتقر في آيها أصناف المجتمعات الثلاثة والتي يمكن تسميتهم بمصطلحاتنا اليوم "أهل الحكم " المعارضة " أهل الحياد ؛ غير أن الوحي يأتي بمسميات الأشياء تصريحا "المصلحون ؛المفسدون؛ السلبيون " وطبعا ذكر هذا كان في جو الفترة المكية وزمنها وبأسلوب الوحي هناك ؛المؤمنون ؛العصاة؛ ومنهم ليسوا على شيئ ؛فكان قص القرآن لهذه الأشكال حافزا للمسلم أن يحسم هويته ويعمل لدينه ودنياه مقررا مصيره إلى الخير أو إلى الشر ؛أو تساويا بينهما "مع أصحاب الأعراف " ينتظر الحسم الرباني والحساب والحكم الفصل بشأنه ...
ويلحظ في تتبع القصص المذكورة في السورة أن الباطل والحق في صراع أبدي أزلي يكون عاما بعيدا في المعتقد والمجتمع وخاصا في البيت وفي نفس الشخص تتجاذبه نفسه اللوامة والأمارة؛فهي إرشادات وعبر للعالمين .
إن قصة آدم وإبليس لهي صراع الحق والباطل وانتصر الحق وهو منتصر في كل نهاية؛وخبر أصحاب الأعراف فهو منبه لمن عرف الحق والباطل وظل يتردد لم يجزم شيئا لم يغير سلوكا ولا أوقوالا فهو أفسد وأصلح والله يعلم وأنتم لا تعلمون .
أما ماكان من ذكر الرسل فإن العزة لله ورسله لأنهم أهل حق بعثوا لأمم أهل باطل؛ بيد أن هناك موقفا به دروس وعبر أكثر من قصه فقط ؛(موسى "فرعون " السحرة ) هذه الحادثة وتفاصيلها بها كثير من التردد والتفكير لحسم الموقف ؛تردد السحرة في التصديق بموسى ولقد فعلو؛وتردد بني إسرائيل ولذلك خاطبهم "استعينوا بالله واصبروا ..."
وهاهم أهل السبت مثالا لمن يعتقد شيئا ويفعل نقيضه؛وكأن القرآن ينزل هذا الزمن ويحدث أهله وماهذا الخور والهوان إلا من ذلك "...كذلك نبلوهم بما ماكانوا يفسقون "
ولفتت السورة إلى أن معظم المجتمعات عبر الكون وخاصة الآن ثلاث فئات هي نفسها فئات بني إسرائيل القائلة على لسان السلبية من الطوائف "وإذقالت أمة منهم لم تعظون ..." والطائفة الصادقة "قالوا معذرة ..."والعصاة "فلما نسوا ماذكروا..."
وإن السورة في مجملها لترشد لحسم المواقف؛والعمل بجد للحياة إيمانا وتصديقا بالآخرة ؛ حسما للهوية وللهواية كي يتطابق العمل مع الشعور، وتسلم المجتمعات من الغش والخداع؛ ويتلبس كل بلبوس قناعته وطرق تحصيله وكيفية أسلوبه ليتميز الحق من الباطل وتعيش الناس أمة قويمة سليمة واضحة مكشوفة لبعضها تعاملا وتدينا وسلوكا .
إن كلاما يأمر بالفضائل وينهى عن الفحشاء لحري به أن يصغى إليه وينصت "وإذا قرئ القرآن فاستمعوا ...."
وإن في السورة أول سجدة في المصحف وتلك لفتة كريمة من ربنا جل جلاله لحسم الموقف من العبادة والخشوع؛ بالسجو له بعد عرض مواقف تردد بالسورة "إن الذين عند ربك لا يستكبرون..."
والقراءة المتأنية في نزول السورة توحى بأن المرأة مستورة مصانة أياتكن"طواف العريانة بالبيت"؛وأن معرفة المدعوين واجبة لمعرفة أحوالهم وخصوصياتهم "دعوته صلى الله عليه وسلم بطون قريش جميعا " وماقيل عن جلوسه صلى الله عليه وسلم مع أعمدة من أهل النفاق يسألونه عن الساعة إلا بلاغالقوم يعقلون؛ففي النقاش والخلق الرفيع فوائد للمشروع والمجتمع تلحظ بعد حين .
ولم تغفل السورة عن المعايشة العامة والخاصة فقد دعت للراحة بالبيوت "..وجعل منها زوجها ليسكن إليها .."ثم الدعوة لسبل استجابة الطلب الغيبي "ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ..."
وبها تكون سورة الأعراف مكية كسابقتها ختمت بما تمحورت عليه تلك؛إلا أنها -أي سورة الأعراف تمهد لسورة الأنفال تمهيدا؛فالمجتمع الآن صلح واستقر وعرف التوحيد والحقيقة فعليه التحرك لترسيخ الفكرة وإقامة المشروع ...
"يسئلونك عن الأنفال " ونتركها لحديث مستقل مع صلاتنا لغد بحول الله .
الدكتور :افاه ولد الشيخ ولد مخلوك