لماذا الحوار؟ / أمينو شاش

أحد, 27/04/2025 - 18:01

 

في عالم تتقاذفه الأزمات، وتنهشه الحروب، وتُختبر فيه ثوابت الدول واستقرارها، تبدو الدعوة إلى الحوار في وطن مستقر وآمن بمثابة رؤية متقدمة تتجاوز المفهوم التقليدي للديمقراطية. فالديمقراطية ليست هدفًا نهائيًا، بل وسيلة لتحقيق مقاصد أسمى: كالتنمية، والاستقرار، والعيش المشترك.

 

في هذا السياق، يُعدّ الحوار الوطني صمّام أمان لا غنى عنه. إنه حجر الأساس للتفاهم والتقارب، وهو الوسيلة المثلى لإشراك الجميع في صياغة المستقبل، أو على الأقل إشعارهم بأنهم جزء من هذا الوطن، لا غرباء فيه ولا على هامشه. فالحوار هو الردّ الحضاري على الإقصاء، وهو البديل العقلاني عن التعنّت، اللذين يؤديان – إن تُركا – إلى خراب البلاد وهلاك العباد.

 

لكن، يبقى السؤال الجوهري: على ماذا نتحاور؟

نتحاور على كلمة سواء، لا نكفر فيها بالوطن، ولا نجعل بعضنا لبعض عدوًّا. نتحاور على بناء حياة سياسية ديناميكية، قادرة على تفادي الأزمات وتحصين المكاسب التي حققها الوطن أمنيًا وتنمويًا وديمقراطيًا. نتحاور لنُحيي سُنّة التشاور بين مختلف التيارات والفرقاء الوطنيين، ونتجاوز مرحلة الاصطفاف الحاد والولاءات الضيقة.

 

الحوار ليس ترفًا، بل ضرورة وطنية. فبه ننقّي المشهد السياسي من السموم، ونؤسس لمنظومة قانونية واقتصادية عادلة، تحارب الغبن والتهميش، وتمنح الجميع حق التعبير والمشاركة. إنه الطريق نحو نظام قوي، لا ينهار عند أول أزمة، لأنه متوازن في معارضته وموالاته، متماسك بوحدته لا بتفرّقه.

 

بل إن جوهر الحوار يكمن في الاجتماع، حتى مع من نختلف معهم جذريًا، من أجل سماع كل صوت، وتحقيق مكاسب متبادلة لا تُقصي أحدًا. فمتى ما تمكّن صوت واحد من فرض رؤيته، أو تم إسكات الآخر، دخلنا دوامة الاستبداد أو الانسداد.

 

وهنا يأتي تعهّد رئيس الجمهورية بألّا يُترك أحد على قارعة الطريق، ليكون التزامًا أخلاقيًا وسياسيًا لا يمكن أن يتحقق إلا بالحوار، لا بالإقصاء ولا بالضجيج السياسي.

 

ومع ذلك، هناك من يتمترس خلف شعارات متطرفة، أو يربط مشاركته في الحوار بتحقيق مصالح فئوية أو أيديولوجية ضيقة. وهؤلاء – في الحقيقة – يخسرون فرصة وطنية نادرة لصناعة التاريخ، وسيأتي يوم يندمون فيه على ما فرّطوا فيه من أجل مكاسب زائلة.

 

لقد حذّرنا القرآن الكريم من هذا السلوك، فقال تعالى:
“جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصرّوا واستكبروا استكبارًا.”

 

إن التفريط في مسؤولية الحفاظ على استقرار الوطن، وتجنّب الانزلاق نحو الاستبداد أو الشلل السياسي، هي مسؤولية جماعية، لا يتحمّلها طرف دون آخر. أما من يرفض الحوار ويتعنّت عليه، فهو كمن ارتدّ على عقبيه، وخان أمانته ووطنه.

 

قال تعالى:
“ولا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون.”

إننا اليوم أمام مفترق طرق، والحوار هو الجسر الوحيد نحو المستقبل. فلنمدّ الأيادي، ولنتجاوز الحواجز، ولنتحاور… قبل فوات الأوان

 

 

 

تصفح أيضا...