الديمقراطية .. من "" بيزسترا توس  إلى بيرام "/ عبد الله ولد زا گه 

اثنين, 14/04/2025 - 18:05

وصل" بيزسترا توس " إلى السلطة في أثينا في حدود 517 قبل الميلاد عن طريق حزب " الجبل المعتمد في شعبيته على الطبقات الشعبية المهمشة  التي ظلت خارج اللعبة السياسية و سمحت لها إصلاحات المشرع اليوناني "سولون " بالمشاركة في العملية السياسية    "ولم يكن " بيزسترا توس" يومها  راضيا عن تلك الإصلاحات  التي بدت غير كافية أمام الطلبات المتزايدة   للطبقات   الشعبية المتطلعة  إلى المشاركة والسيطرة على الحكم ، رغم كونها قضت على حكم  النبلاء ـ نظام الأراكنة ـ  وألغت الرق وسمحت بمشاركة جميع فئات المجتمع في تسيير شؤون الدولة .. وأخيرا   نجح حزب الجبل في إيصال   " بيزسترا توس" إلى سدة  الحكم ونصب نفسه طاغية على أثينا ..! "
 اليوم يصارع زعيم حركة" ايرا  بيرام الداه اعبيد "   من أجل  تحويل منظمته إلى "حزب الرگ ؛ "والر گ"  في تضاريسنا  من أبناء الجبل،  لكنه فضل الاضجاع  والتمدد بدل  الوقوف والشموخ  ؛ فهل نُحت اسم الحزب عن وعي أم أنها مجرد صدفة ، وهل  يريد بيرام إعادة ديمقراطية " بيزسترا توس" واستغلال الطبقات الهشة في إقامة نظام ديكتاتوري ..!
كل خطاباته وصراخ   المحطين به تشي بنزعة سادية تعتمد الاقصاء والإلغاء و التعنيف اللفظي وربما الجسدي   لمن لا يتماهون مع طرحهم ذي النزعة الشرائحية ، ولا نعتقد أن من يعتمد هذه "البروباغندا اللونية"  يستحق أن يحكم موريتانيا .
في الواقع تعاني ديمقراطيتنا أزمة نخبة ينخرها الكسل والخمول وتعلي  المنفعة الشخصية والمكاسب الآنية على التفكير   والبناء الاستراتيجي ؛  يقول المفكر والكاتب الأنيق محمد يحيظه ولد ابريد الليل  رحمه الله " مامضمونه إن ديمقراطية المراحل الانتقالية أجهزت على نخبتنا السياسية وتركتها رهينة للصدفة والمفاجأة ، بدل التفكير والتخطيط والوعي الاستراتيجي" ؛  في الحقيقة جعلتنا هذه الوضعية المزرية أمام نخب تكره الديمقراطية ، وترفض تحرك الأمور نحو الأمام خوفا من أن تفقد مكانتها داخل مشهد سياسي  جعلته الأوضاع  القائمة  بقرة حلوبا يجب أن لا يتوقف إدرارها للحليب ..!
يمكن أن نتلمس بل و نشاهد هذا الواقع المأسوي من خلال واقع   الأحزاب السياسية التي ترفض   الممارسة  الديمقراطية داخل هيئتها  مما حولها إلى مقابر مهجورة وجثث هامدة؛  ماتت جماهيريا  منذ الأزل ؛ وتركت الفراغ يمتلئ بما تجود به الطبيعة ، ويقول أهل الفيزياء إن الطبيعة لا تقبل الفراغ ، والحال نفسه بالنسبة للسياسية .. 
في ظل   هذه الظروف يمكن  لرئيس منظمة  حقوقية ؛ مَطْلِيَّة بالمطالب  والشعارات اللونية  أن يطالب بتحويلها  إلى حزب سياسي ، كما يمكن للأحزاب السياسية أن تفتتح مزادا لتسليم  قوائمها الانتخابية لمن يدفع أكثر ، لنصبح ودون سابق إنذار أمام زمرة من نفعيي  السياسة آخر همهم مصالح الدولة والشعب   ؛  فهل يمكن وصف هذه الحالة العجيبة  بالتبييض والغسيل السياسي..! 
 
 في  العالم من حولنا  نموذجان من الحكامة  ؛ النموذج الأول الديمقراطية الغربية ورغم قباحة وجهها وموت انسانيتها ـ ولعل تواطؤهم على  إبادة الشعب الفلسطيني عبرت عن ذلك بوضوح ـ  إلا أنها نجحت في سن قوانين وضعية  مكنتها من السيطرة على الموارد وتوفير الخدمات وقمع الفساد و تكريس المؤسسية ، ولم تعد سياستها وحكامتها  أمرا متروكا للصدفة والمفاجأة بل أصبحت لها آليات تصونها من ذلك ، أما النموذج الثاني فيتوزع على باقي دول العالم ويتأرجح بين الأحكام الشمولية و التحول نحو الديمقراطية  وما يصاحبها من  مفاجآت ومراحل انتقالية ،ولعلنا نحسب من   البلدان القليلة في المنطقة التي حافظت  على السير ولو ببطء على  طريق الديمقراطية رغم التعثر والاختلالات البنيوية .
لقد سعى رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني منذ وصوله للسلطة إلى تحريك وتطوير مسارنا الديمقراطي   معتمدا في ذلك " التوفيق بين القوة والمعقولية"  ؛ فبادر إلى وضع النخبة السياسية في حالة نفسية وذهنية مريحة ؛ لمن يريد العمل والتفكير الجاد في بناء وتوطيد حكامة سياسية راشدة ، فأشرع أبواب القصر الرئاسي مشاورا ومستمعا ، كما أطلق مسارات وورش متعددة  لتصحيح الاختلالات في النظام الانتخابي وقانون الأحزاب ، ثم أطلق حوار ا منزوع الأبواب والنوافذ ، لا يستثني موضوعا ولا يقصي أحدا ، لكن الكسل والخمول والتفكير النفعي ظل يعيق   عقول النخب السياسية فلاهي استقالت من حياتنا  السياسية  واراحتنا من عبئها ، ولاهي واكبت  النظام في طموحه للبلاد.. يا للهول   كم نحن بارعون في تضييع الفرص و اللحظات التاريخية ..!
لا نعتقد أنه بعد كل هذا الجهد والوقت الذي بذله الرئيس ونظامه بقي عذر للنخبة السياسية ، وعلى الدولة أن تٌعمل اجتهادها فيما تراه مناسبا للوطن والشعب ؛ ولتذهب الديمقراطية إلى الجحيم .

تصفح أيضا...