رمضان.. متجر أهل الإيمان وشهر القرآن/ د عبد المالك ان عبد الل

جمعة, 28/02/2025 - 09:04

يُظِلنا شهر الصيام والقيام، (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والقرقان)، شهر أوله الرحمة، ووسطه المغفرة، وآخره العتق من النار، ليجلب إلينا معاني الخير وبركة الطاعات، وليقلل بمقاصده دواعي الشر، وليتيح الفرصة للذين أسرفوا على أنفسهم لقرع باب التوبة بتطلعهم إلى روحانية السماء والاستعلاء على تراب الأرض.
فما رضخ الإنسان لشيء أذله وسيطر عليه كاستكانته لشهوتي البطن والفرج، ومن مقاصد الشريعة التي تخص الفرد حفظ التدين بإقامة شعائر العبادات المفروضة، والتخلق بأخلاق الإسلام الأساسية كالصدق والإخلاص والأمانة والوفاء بالأعمال الصالحة وإتيان الطاعات الواجبة مما يؤسس لتقوية الإيمان واجتناب ما يضعفه.
والصوم في اللغة مطلق الإمساك، وهذا الإمساك المخصوص معروف شرعا بقيوده المحددة لأحواله وأوقاته، كما يفيد: ابن عاشور في: التحرير والتنوير.
والقصد من عبادة الصيام هو تزكية النفس ورياضتها، وفي ذلك صلاح أحوال الأفراد المكونين للمجتمع.
ويذهب: الدهلوي في: حجة الله البالغة، إلى أن الصيام يثمر نفسيا "تقوية الجانب الروحي في الإنسان لتصدر عنه أفعال الخير"، فالصيام في حقيقته هو التربية الحسية المادية على الإحساس بجوع الجائعين والشعور بحاجة المحتاجين، لأن المقصد منه يتجه إلى مجالَيْن، أحدُهما نفساني، والآخر جسماني.
والفرصة السنوية في مدرسة رمضان أن صيامه وقيامه يفتح سانحة للتعلم والتدرب والتربي على حسن العبودية لله، وفي رمضان تفتح أبواب الجنة وأبواب الخير، وتغلق أبواب جهنم وأبواب الشر، وتصفد الشياطين، وينادي المنادي لليوم، يا باغي الخير أقبل وأبشر، يا طالب الخير أمامك الفرص متاحة وأمامك الأبواب مشرعة، أمامك شهر من تقرب فيه بنافلة كان كمن أدى فريضة في غيره، ومن تقرب فيه بفريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه.
إن العبادات في الإسلام لا تُغنى فيها الواحدة عن الأخرى، فلكل عبادة وظائف وضوابط لبناء الإنسان المسلم، ليحصل من نفحات هذا كله نماء العقيدة وتغذية الإيمان بإيجابية وطريقة عملية كاملة، كما في عبادة الصوم مثلا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، ومع ذلك كان أجود ما يكون في رمضان، فجوده في هذا الشهر يكبر ويزداد، ولا يحول دونه أي عائق حتى يصير أجود بالخير من الريح المرسلة.
فالعودة إلى معالم السمو الروحي والتخلق بخلق الإرادة عن ترك المحبوب واقتحام مصاعب الأمور والصبر وتذكير النفس بحال الفقراء وتقوية ملكات إدراك نعم الله، معان مطلوبة هنا من حيث تعميقها وتأكيدها حتى تصبح منهجا للمسلم يأخذ بها سلوكه، وتصطبغ بها حياته.
ولما كانت التقوى في قوله تعالى: (يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) هي اتقاء المعاصي، فإن الصيام وسيلة ممتازة موجبة لتحقيقها.
وبالصيام نرتقي عن حضيض الانغماس في الماديات إلى علو الملأ الروحاني، وذلك لِما تُكسب هذه العبادة من الارتياض بالصفات الملكية والتيقظ والثورة على دَخَنِ الكدرات الحيوانية، وهنا تتغلب دوافع الخير على نوازع الشر.
وشهر رمضان يجعنا نواظب على دوافع الخير  التي لا يجوز أن تغيب عن حياتنا في مسارها الدائم وتبدل حالِها وحاجتها المتجددة، ونزوعها النّهم إلى الإشباع المادي، سائلين المولى أن يجعل حظنا من هذا الشهر المبارك العظيم القبولَ والمغفرة والعتق من النار.

تصفح أيضا...