هل ستكون المرحلة الأولى كافية لإحداث تحول اقتصادي هيكلي؟ / محمد يسلم ولد الفلالي

خميس, 20/02/2025 - 14:01

 

في 31 ديسمبر 2024، أعلنت شركة BP عن تحقيق “أول إنتاج للغاز” ضمن مشروع حقل غاز السلحفاة الكبير (أحميم)، وهو إنجاز كبير أثار العديد من التساؤلات التقنية والاقتصادية داخل الرأي العام، مما يستدعي تقديم إجابات.

يمثل هذا الإنجاز بداية استخراج ونقل الغاز إلى وحدة الإنتاج، مما يطلق مرحلة من الاختبارات والتشغيل تهدف إلى التحقق من كفاءة الأنظمة قبل إطلاق الإنتاج التجاري. وعلى المدى المتوسط، قد يعزز هذا المشروع الإطار الاقتصادي الكلي بشكل كبير من خلال زيادة الإيرادات الضريبية وتدفقات العملات الأجنبية. ومع ذلك، فإن المرحلة الأولى منه، التي تقتصر على إنتاج سنوي يبلغ 2.5 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال، لن تكون كافية لإحداث تغييرات هيكلية عميقة.

بالطبع، يحمل هذا المشروع آمالًا كبيرة للاقتصاد الموريتاني، لكن الأثر الاقتصادي الفوري سيظل محدودًا مقارنة بالتحديات المتمثلة في تنويع الاقتصاد وخلق فرص عمل واسعة النطاق.

مع متوسط نمو اقتصادي بلغ 3.5٪ خلال العقدين الماضيين، ونمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بمعدل لا يتجاوز 0.9٪ سنويًا، تواجه موريتانيا صعوبة في تحقيق طموحاتها التنموية. وتحد الإنتاجية المنخفضة للعمل، إلى جانب التغيرات الهيكلية البطيئة، من كفاءة الاقتصاد بشكل عام.

تتناقض هذه النتائج بشكل كبير مع الهدف الطموح للنمو بنسبة 7.5٪ الذي حدده برنامج العمل للفترة 2021-2025 ضمن استراتيجية النمو المتسارع و الرفاه المشترك (SCAPP)، وهو مستوى لم يستطع الاقتصاد الموريتاني تحقيقه سوى مرتين خلال العشرين عامًا المنصرمة.

لإعادة ربط النمو الاقتصادي بأهداف استراتيجية SCAPP، اعتمدت الحكومة الموريتانية نهجًا مزدوجًا. فمن جهة، مواصلة تحسين مناخ الأعمال على المستوى الوطني من خلال تبسيط الأطر التنظيمية وضمان الاستقرار السياسي والاقتصادي. ومن جهة أخرى، وضع المدن في صلب استراتيجيات التنمية عبر إعطاء الأولوية للاستثمارات في البنية التحتية المحلية والخدمات الحضرية (مثل خطة تطوير مدينة نواكشوط). 

فالمدن ليست فقط أماكن للعيش، بل هي أيضًا المفتاح لمعالجة قضايا معقدة مثل الفقر والبطالة. و منحها الإمكانيات لتصبح محركات للنمو يمكن أن يغير مستقبل موريتانيا ويعزز قدرتها على مواجهة التحديات التنموية. وقد تبلورت هذه الرؤية في الرسالة الضمنية التي وجهتها الحكومة، و مفادها أن تنمية موريتانيا تبدأ من مدنها.

بالعودة إلى مشروع حقل السلحفاة الكبير (أحميم)، فإن مرحلته الأولى، على الرغم من أهميتها الكبيرة، تمثل نقطة انطلاق نحو تحولات اقتصادية أوسع نطاقًا. وتتيح هذه المرحلة لموريتانيا فرصة فريدة لتحديد مسار نمو مستدام، شريطة الحفاظ على الانضباط في تنفيذ الاستراتيجية الطاقية والاستثمار في المدن، باعتبارها البنية المادية التي تعتمد عليها وتتشكل من خلالها التحولات الاقتصادية الكبرى.

تصفح أيضا...