![](https://mourassiloun.com/sites/default/files/styles/large/public/field/image/293805A6-A353-4261-97D0-5F2958FA396F_0.jpeg?itok=S6weMXOm)
خِظْتْ اعْـــلَ دَارْ الْــيُــومْ @ أَهْــــلْ أَيَّ يَالْـقَــيُّـــــومْ
شِفْــتْ آگُـــومْ الـتَّـيْــدُومْ @ لِمْـسَـهْــوِي كَانْ الـدَّارْ
مَحْـــرُوگْ ؤُعَــادْ احْمُـومْ @ سُـبْحَــانَــــكْ يَالْـقَــهَّـــارْ
مَــعْــوَدْ حَـــــرَّاگْـ أگُــــومْ @ مَاهُــو فَــاهِــمْ لَخْـبَـــارْ
تشكلت الطلعه من جملتين خبريتين نقلتا الحدث بدقة: مكانه وزمانه وشخوصه، وحضر الشاعر في مفتتح النص متخذا موقع الفاعل الذي يصور ما طرأ على المكان من تبدل حال واندثار معالمَ:
خِظْــتْ اعْـــلَ دَارْ الْـيُــومْ @ أَهْــــلْ أَيَّ يَالْـقَــيُّـــومْ
شِفْــتْ آگُـــومْ الـتَّـيْــدُومْ @ لِمْـسَـهْــوِي كَانْ الـدَّارْ
مَحْـرُوگْ ؤُعَـــــادْ احْمُـومْ@
إن التغير الذي طال المكان كان شاهده الأكبر تحول جذع التيدوم إلى فحم، ويعرف شجر الدوم بصلابته وقوته فيقال في المثل: (افلان إهز التيدوم) تعبيرا عن قوته الخرقة، كما أنه شجر يعمر طويلا، فموته يعني الكثير للشعراء،. وقد جاء استخدام الشاعر كلمة "القيوم" في التافلويت الأولى ليمهد للحدث الذي أصاب الجذع، ويؤكد أن البقاء لله لا لغيره، فالقيوم صيغة مبالغة، وهو في اللغة المدير لخلقه الذي لا يحول ولا يزول مقابل الموجودات التي مصيرها الفناء.
إنها معاينة صعبة؛ أن يشهد الإنسان انمحاء مكان كان عامرا بناسه وشجره الدائم الخضرة، الباسق الظل، وهو ما أرق الشعراء منذ العهد الجاهلي فبكوا الديار وندبوا الأطلال، ولم يكن ذلك إلا نذيرا لهم بأنهم جزء من المكان وآئلون إلى نفس المصير.
وتأتي الجملة الإنشائية التعجبية ختاما للطلعة، فيقف الشاعر موقف اعتبار وعتب على الشخص الذي حرق الجذع وأحال الحياة مواتا والخضرة اليانعة سوادا، وذكريات الشاعر وجعا مكينا:
سُـبْحَــانَـكْ يَالْـقَــهَّـــارْ
مَعْــوَدْ حَــرَّاگْـ أگُــــومْ @ مَاهُــو فَــاهِــمْ لَخْـبَــارْ
فحارق الجذع لم يعش تجربة الشاعر ولم يشاطره الإحساس، مما استوقف الشاعر وحز في نفسه ، فجذع الدوم الذي كان على مقربة من الدمنة احترق واستحال فحما، وهو مشهد موجع للنفس الشاعرة التي ترى في عناصر الطبيعة شريكا محاورا وإلفا منصتا.لقد استحالت الخضرة اليانعة والظل الوارف والصلابة إلى هباء منثورولا ارتبطت ذكرياته به، ولم يتفيأ ظله ولم بتذوق زهو الطبيعة الحانية في عالم الصحراء الأجرد، إنه والشاعر ضدان لا يلتقيان.
ولئن تصدر الشاعر مركز الفاعل في مستهل الطلعه، فإنه أصبح في الأخير مفعولا به ضمنيا لمشيئة القهار، وعبث حراك آكوم.
ومن المعروف أن شجر الدوم يضرب به المثل في القوة فيقال هذا الشخص (إهز التبدوم) تعبيرا عن قوته، كما أنه دائم الخضرة، منتشر الظل وضخم الجذع، مما جعل الشاعر يتعى هذا الفقد المريع، ولا شك أن التحسر على الجذع يتضمن إخالة واضحة إلى العلاقة الحميمة للشاعر به، فشجرته الباسقة وانتشار أغصانه ملائم لاقتناص لحظات لقاء في فضاء بدوي شحيح. هذا الاعتبار والحزن العميق قاد إلأى حكمة مقررة في آخر الطلعة:
سيحانك يالقهار
معود حراك آكوم@ ماهو فاهم لخبار
فاللوم كل اللوم يقع على الشخص الذي أحال الحياة مواتا والخضرة سوادا وموطن الذكريات واللقاء خرابا ماثلا.
وعلاقة الشاعر بالدوم تظهرارتباطه بمظاهر الطبيعة الجميلة فهي الشجرة الدائمة الاخضرار الوارفة الظل والمقاومة للزمن لطول ما تعمر، فحين يلحقها الفناء يكون وقع الفقدمؤثرا ومعبرا عن صيرورة الكائن الحي.
ولعل تساؤل الشاعر الجكني يحي ول باب عن التيدومات من بين كل الأشجار التي ذكر مواتها دليل على المكانة التي يحتلها هذا الشجر في نفسه من بين كل فصائل الشجر:
مَذْكُـورْ الشَّـــرْگْ انُّــو اخْرِيفْ @ عَاگِـبْ دَهْـرُو مَا فِـيهْ رِيــفْ
وإِرِيـفِــي يِـحْـثِي وِانْـسِـيــــفْ @ مِـــنْ سِـنِـــيـــنْ اتْـــــرَامَــــاتُــو
مِنْ طُـولْ الـشِّـدَّه وِانْسِـيفْ @ سِــدْرُو مَــــاتْ ؤُتَـــمَـــــاتُــــــو
وَأمُــورْ امَّــــلِّي مَـاتْ كِـيــفْ @ سِــدْرُو، وِالطَّــلْـــــحْ أَمَّـــــاتُـو
مَـــاتُو، ؤُلَا نَعْـرَفْ كَـــانْ وَادْ @ بُــــــوگَــــــرْفَه تَـيْــــــدُومَـــاتُــو
مَــــاتُـــو، وَللَّ يَــكَـــــــــانْ زَادْ @ تَـيْــــــدُومَــاتُـــو مَـــــا مَـــاتُـــو؟
فالشاعر يتلقى خبـر حلول فصل الخريف يعد جفاف حاد، مما يذكي الشجى ويلهب الحنين في نفس المغترب، فأخذ يسترجع أثره الذي غير معالم المكان وقضى على الغطاء النباتي فماتت أشحار السِّدْرِ والسَّلَـمِ والطَّلْحِ، ولكن السؤال الأهم الذي ظل يؤرقه في غربته هو عن تلك الأشجار التي قاومت صولة القحط كعهده بها؛ وهي شجرات دوم بوگرفه، فيا ترى هل طالتهن يد القحط أم قاومن غوله لينعمن بالخريف المطير؟
وليس الشاعر سيديا ولد هدار بدعا في ارتباطه بشجر الدوم حتى وإن كانت أصابته يد الحدثان، فيتساءل عن الجذع المحترق الواقع على مرتفع عال، أظل قائما أم لا:
مَـنْـــدَرْتِي يَـكَــــانْ الْـمَـلْــعُــــوگ @ اصْـوَيْـگْ الـتَّـبْـدُومْ الْـمَـحْـرُوگْ
اللِّي كَـانْ الْفَـوْگْ اعْـل أَطَوْگْ @ اكْـــــرَاعْ إٍبْ لِـمْــــعَــــارِظْ تَــلُّـــو
كَانْ الْفَوْگْ اعْـــلَ رَاصْ أَطَوْگْ @ يَــــكَــانُـــو مَـــــزَالْ إفْ بَـــلُّــــــو؟
أما أحمدو سالم ولد الداهي فيخص دومتي "لكباش ولعريش" بلفتة خاصة وهو بؤكد تعلقه وشوقه إلى معاهده بالدخلات مهما سطا عليها الجفاف وغاب عنها أناسها :
ذَاكْ اللِّــي كَـــــانْ أَلَّا مَــــزَالْ @ يَا اعْـلَـيْـبْ الْوَحْشْ امْعَ تِـبْــــدَالْ
الـدَّهْـــــرْ ؤُتَـقَـــــلُّــبْ لَحْــوَالْ @ وَاللَّ بَــاشْ انْـــزَادْ التِّـــــشـــوَاش
وَللَّ بَـــــاشْ الـتِّـفْـگَاد اثْـقَـالْ@ وِاطْفَگْ شِي مَا نَعْـرَفْ شِمْنَاشْ
وِاعْلِمْ عَنْ ذَاكْ اللِّي يِنْگــالْ@ گِـــذَّ گِـــذَّ يِــــنْـگــــــالْ اكْـــــــذَاشْ
عَــنَّـــكْ مَا عَنْدَكْ حَـدْ ؤُگَـالْ @ مَ وِيــدَانَــكْ وِارْبِــيـــعَـــكْ نَـــاشْ
مَا يِـنْگِصْ تُحَاشَكْ وَاشْگَالْ @ تُحَــــاشَكْ مَـزْيُـــــودْ إِبْ تُوحَاشْ
تَـيْـدُومِـتْ لِعْـرَيْشْ ؤُحَوْمِتْ@ تَيْـدُومِـتْ لَكْـبَــــاشْ، أَلَّ بَــــــاشْ
زَادِتْ تُوحَـاشَـكْ تَـيْـدُومِـتْ @ لِعْــرَبْــــشْ ؤُتَـيْـدُومِـتْ لَكْـبَــــاشْ
ولا يقتصر حضور الدوم على تغني الشعراء به بل هو ثاو في الذاكرة الشعبية، حاضر في مسميات ابتوتت لغن، فالتيدوم نوع من أنواع لبتيت ولا شك أن إطلاق التسمية عليه تدل على صلابته وقوته وأنه الأصل الثابت للبتوته، وهو ما ذهب إليه الدكتور أحمدو ول اجربفين في كتابه: (نظرية التيدوم) حيث يقول إنه يعتبر من الناحية التاريخية أول لبتوته المحكمة الوزن ظهورا، ومنه اشتقت بقية لبتوته.
أما في الحكاية الشعبية فإن شجرته لضخامة جذعها وامتداد ظلها ظلت مأوى للخائفين وملاذا للهاربين كما في حكاية التوأمين. وحكاية دفلنام.