نعيش اليوم تطورًا مذهلًا في تقنيات الذكاء الاصطناعي، ما جعلها أداة أساسية ومحورية في العديد من المجالات، ومنها البحث العلمي. ورغم المزايا الكبيرة التي تقدمها هذه التقنيات، فإن الإفراط في استخدامها في المجال الأكاديمي يثير العديد من الإشكالات حول تأثيرها على موضوعية ونزاهة وجودة البحث العلمي. ومن أبرز الفئات المتأثرة بهذا التطور طلاب الدكتوراه، الذين يقع على عواتقهم تقديم بحوث أصيلة تُسهم في تقدم البحث العلمي.
في هذا المقال، نستعرض المخاطر المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي في الأبحاث الأكاديمية، خصوصًا لدى طلاب الدكتوراه، والحلول الممكنة لضمان الحفاظ على النزاهة الأكاديمية مع الاستفادة الآمنة من تقنيات الذكاء الاصطناعي ومواجهة التحديات المرتبطة بها.
إن من أبرز فوائد الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي أنه يقدم للباحثين أدوات قوية لتحسين الأداء الأكاديمي وتسريع عمليات البحث، مثل التحليل المتقدم للبيانات، والمساعدة في صياغة وتحرير النصوص العلمية، مما يسهم في تسريع كتابة الأبحاث وتحسين جودتها اللغوية، وبفضل هذا التطور، أصبح بالإمكان معالجة كميات ضخمة من البيانات بسرعة ودقة تفوق الطرق التقليدية. ومع ذلك، فإن هذه الفوائد تصاحبها مخاطر تهدد نزاهة البحث العلمي، مثل التأثير على الأصالة الأكاديمية وتقليل إبداع الباحثين في تقديم أطروحات وأفكار جديدة أو حل الإشكالات الأكاديمية المعقدة. إضافة إلى ذلك، قد يؤدي الإفراط في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي إلى اجترار الأبحاث السابقة بدلاً من تقديم محتوى علمي جديد، مما يتناقض مع الأهداف الأساسية للبحث العلمي.
ومن أبرز التحديات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي في البحث العلمي،ما يلي:
1. زيادة وتيرة الانتحال العلمي:
بعض أدوات وبرامج الكتابة التلقائية تنتج نصوصًا تبدو وكأنها من تحرير بشري، لكنها في الواقع مُستـلة من مصادر غير معترف بها علميًا أو منتحلة من أبحاث سابقة، مما يؤثر على مصداقية البحث العلمي.
2. الانحياز في الخوارزميات:
تعتمد أنظمة الذكاء الاصطناعي على بيانات قد تكون مُعيبة أو غير موضوعية، ما يؤدي إلى نتائج بحثية منحازة أو غير دقيقة.
3. التأثير على مهارات الباحثين:
يؤثر الاستخدام المفرط للذكاء الاصطناعي على مهارات التفكير النقدي والتحليل الذاتي لدى طلاب الدكتوراه، مما يقلل من قدرتهم على حل المشكلات البحثية المعقدة.
4. صعوبة تقويم البحوث العلمية:
تواجه لجان التقويم الأكاديمي عقبات في التمييز بين البحوث الأصيلة وتلك التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وقد كان من الضروري إبجاد أدوات فعالة للكشف عن الانتحال العلمي والتأكد من أصالة البحوث، ورغم محدوديتها فيمكن استخدام الأدوات المتخصصة الأربعة التالية :
Turnitin: تُقارن النصوص بملايين المصادر الأكاديمية للكشف عن الانتحال العلمي والأدبي.
iThenticate: تُستخدمها الجامعات للتحقق من مصداقية محتوى الأطروحات والبحوث العلمية المرشحة للنشر.
GPTZero: تميز بين إنتاج العقل البشري والانتاج المُعدةبشكل آلي.
Grammarly وCopyscape: تختص بشكل جيد في كشف البحوث المُنتجة آليًا.
هكذا فإنه، من أجل ضمان استخدام آمن وسليم للذكاء الاصطناعي في البحوث العلمية، فإننا مطالبون أخلاقيا بوضع قوانين وتشريعات واضحة تنظم استخدام هذه التقنيات لضمان مستقبل أكاديمي قائم على الأصالة والإبداع.
لذا ينبغي أن تشمل هذه التشريعات معايير صارمة للاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي، مع فرض عقوبات على أي محاولة لخرق نزاهة البحث العلمي، وتعنى الجامعات ومراكز البحث العلمي بهذه المسألة، باعتبارها مسؤولة عن وضع ميثاق أخلاقي شامل لطلاب الدكتوراه يشمل المبادئ الأساسية للنزاهة الأكاديمية،هذا الميثاق يجب أن يرتكز على مبدإ أصالة البحوث العلمية واحترام الملكية الفكرية، لأن الذكاء الاصطناعي هو أداة قوية يمكن أن تساهم في تحسين كفاءة البحث العلمي، لكن استخدامه غير المنضبط قد يهدد النزاهة العلمية وأصالة البحوث، ومن أجل ضمان استفادة الباحثين منه دون المساس بجودة البحث العلمي، يتحتم علينا تدريب طلاب الدكتوراه على الاستخدام المسؤول لهذه التقنيات، وتعزيز التشريعات والميثاق الأخلاقي لمدرسة الدكتوراه، وتنظيم ندوات وورش عمل ودورات تدريبية متخصصة حول أخلاقيات البحث وكيفية تجنب المخاطر المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي، وتبني استراتيجيات واضحة في هذا الصدد.
لبروفيسور/ محمدو لمرابط اجيد
أستاذ جامعات