رحل قبل أيام علم شامخ من أبرز أعلام موريتانيا المعاصرين، وبطل من أبطال بناء الوطن على المستويات المختلفة، الاقتصادية والثقافية والاجتماعية هو المغفور له الشريف اعزيزي بن المامي
خدم الفقيد الكبير اعزيزي ولد المامي الوطن في أحلك الظروف منذ فجر الاستقلال، فكان له دور مقدر في وضع اللبنات الأولى للاقتصاد الموريتاني ومساعدة الدولة الوليدة في النهوض خدمة لأمة وشعب عظيم، غني بتنوعه وحضارته، يوحده دينه الاسلامي الحنيف وتاريخه العريق، كما واكب بكل إيجابية واخلاص مختلف المراحل التي مرت بها البلاد خلال العقود الخمسة الأخيرة، فكان له إسهامه المشهود في ازدهار اقتصاد البلد في مستويات مختلفة، كالتجارة، والنقل، والبنية التحتية وغيرها، كما تشهد به المشاريع الوطنية التي أنجزتها مؤسساته على مر السنين، كما كان له دوره الاجتماعي البارز في عمل الخير، ودعم المحاظر، وبناء المساجد، والإنفاق في سبيل الله خاصة صدقة السر متبعا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله" حتى قوله: "ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه" متفق عليه.
أما الدور الثقافي العظيم للمرحوم اعزيزي ولد المامي، فحدث ولا حرج، فلقد انتشل جانبا هاما من التراث الوطني من الضياع وكان من أوائل المؤلفين في الذاكرة الوطنية من خلال جمع وتوثيق وحفظ الأمثال والحكم الموريتانية، كما شمل اهتمامه الأمثال العالمية والفريدة ذات الدلالة الأخلاقية العالية.
كما كان من رواد الكتابة عن تاريخ البلاد المعاصر، من خلال شهاداته، ومذكراته بكل موضوعية وحياد ودقة ، دون أن ننسى جهوده القيمة في نشر مجموعة من المصادر العلمية الموريتانية الهامة من أبرزها كتاب: "نزهة الأفكار من شرح قرة الأبصار" للعلامة المجدد عبد القادر بن محمد بن محمد سالم المجلسي القرشي.
وسنعرض باختصار للسيرة الجليلة للمرحوم اعزيزي بن أحمد باب بن المامي
هو اعزيزي بن احمد باب بن المامي بن لمخيطير بن الخنوس بن أحمد بن محمد بن عبد الل المباركي بن سيد امحمد بن ادميس السباعي ينتهي نسبه إلى إدريس الأزهر بن إدريس الأكبر بن عبد الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي كرم الله وجهه، وأمه فاطمة الوهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الأولين والآخرين.
ولد سنة 1933م في بلدة اندكبعد في الجنوب الغربي من إنشيري على بعد 140 كلم من اكجوجت، نشأ في أحضان أم حنون وأب عطوف في بيت عز وشرف.
وكان منبعه العظيم وأصله الشريف أهم رافد ميز شخصيته ، حيث فطر على حب العلم والتعلم فتربى منذ البداية على منادمة العلماء والفضلاء حتى شب في نفسه الميل إلى المطالعة والدراسة، فقرأ ما أمكن من القرآن مبكرا على والده أحمد باب ثم تابع قراءته على الدين ولد النون ثم محمد عبد الله بن محمد اجويد، ثم اشتغل بالفقه ودرس بعض المتون المعروفة عليهما وعلى محمد سالم بن أبي المعالي ومحمدن ولد أحمد بن أمات رحم الله الجميع.
ومنذ سنة 1965 أصبح يكرس جزءا من وقته للمطالعة الحرة إلى جانب مشاغله الأخرى، عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: "خيركم من لم يترك دنياه لآخرته ولا آخرته لدنياه ولم يكن على الناس كلا"، فكان الكتاب ضالته المنشودة حتى جمع من نفائس الكتب مكتبة غنية بالمراجع والمصادر في شتى مجالات العلوم والثقافة لاسيما الحديث والفقه والسيرة، إضافة إلى الدوريات والمنشورات، وفي أثناء ذلك أخذ يستولي على اهتماماته الانشغال بالتراث دراسة وجمعا وتحقيقا فعكف على تدوين الأمثال الحسانية والحكم الشعبية مسهما في مجهود انتشال هذا الجانب من ثقافة المجتمع من وهدة الخمول والنسيان كما أشرنا سابقا.
مؤلفاته:
1- موسوعة الأمثال الحسانية، طبع الكتاب مرات عديدة بسبب إقبال الناس على قراءتها والاستفادة من ما ورد فيها من كنوز الأمثال والحكم، ومن أبرز طبعاته طبعة 2018
2- من تاريخ الأنظمة في موريتانيا، طبع للمرة الأولى سنة 2001 وطبع مرات كثيرة منها طبعة 2017 ويتضمن ذاكرة نادرة عن حقبة الاستقلال حتى تاريخ تأليف الكتاب كتبه المؤلف بموضوعية نادرة، ويتضمن الكتاب ملاحق قيمة حول وفيات الأعيان، وأهم الأحداث والسنوات المشهورة وغيرها.
3- تراثيات: فوائد وشهادات، وهو عمل قيم جليل في التوجيه والإرشاد، والفوائد النفيسة
4- منهل الحكم من فرائد أمثال الأمم طبع عام 2000
ويعتبر من أهم الأمثال باللغة العربية حول الأمثال من مختلف أنحاء العالم وتكشف عن العلاقات الثقافية بين الشعوب والتشابه أحيانا بين تجاربها المختلفة على المستويات الإنسانية والحياتية.
رحم الله الشريف الفاضل الوطني اعزيزي ولد المامي وجازاه عن أمته ووطنه خير الجزاء وأنزله بفضله ومنه فردسه الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.